.اسرائيل _ تشابهت عليها المفاوضات _ فتعثرت
قبل ثمانية اشهر تقريبا عقدت السلطة الفلسطينية واسرائيل صفقتين منفصلتين تحت اشراف الامريكان ؛ الاولى : استئناف المفاوضات على اساس حدود عام الف وتسعمئة وسبعة وستين ، والثانية بعد اسبوع : امتناع السلطة عن تقديم طلب الانضمام الى ثلاث وستين منظمة دولية ، مقابل الافراج عن مئة واربعة اسرى فلسطينيين .
لم يتوصّل الجانب الفلسطيني الى هاتين الصفقتين الّا بعد ان التزم حرفيا بما ورد نصّه في اتفاق اوسلو 13-9 - 1993 ( حقّ دولة اسرائيل في العيش بسلام - - ) و ( الوصول الى حلّ لكل القضايا الاساسية المتعلّقة بالاوضاع الدائمة من خلال المفاوضات - - )
الاسرائيليون تعمدوا الخلط بين الصفقتين ؛ ولذلك تقدموا بعروض بعيدة عما ورد في الاتفاق ، تقدموا بعرض الافراج عن الاسرى مقابل رفع القيود عن التوسع في الاستيطان تارة ، وتارة اخرى مقابل تقدّم المفاوضات ، او نفي احد الاسرى من الدفعة الثانية خارج فلسطين او الى غزة ،الّا ان( ابو مازن ) اكّد ان ما يعرضونه هو خارج نطاق الاتفاق ، وان ابعاد شخص من وطنه محرّم دوليا وقانونيا وانسانيا واخلاقيا وسياسيا ، ولم تتوقف عروض الاسرائيليين بغرض ابتزاز الجانب الفلسطيني وتعطيل المفاوضات . اتفاق اوسلو اعتمد المفاوضات ركيزة الحل لكل القضايا الاساسية المتعلقة بالاوضاع الدائمة ، لكن ماهية المفاوضات تشابهت على الاسرائيليين ؛ما لون المفاوضات ؟ وما شكلها ؟ وما طعمها ؟ ، هذا ما لم يتفقا عليه في اوسلو؛ فهم في حِلٍّ من امرهم ، اسرائيل تعوم في فضاء ثياب الزاهدين ، في جدلية متناغمة وسمفونية تسرّ السامعين ، ابو مازن حفظ الجدلية عن ظهر قلب ، اطلق عنان الزمان بلا نهاية ، والتفّ الى طريق يستظل فيه بقوانين المنظمات الدولية ، ولم يرفض التفاوض ، واصرّ على تطبيق ما ورد في الصفقتين ، دون خلط . بعد ان وصلت المفاوضات الى طريق مسدود ، لم يبق امام وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية جون كيري راعي المفاوضات الا ان يصرّح امام الكونغرس : ان اسرائيل تتحمل مسؤولية توقف المفاوضات لسببين : ان اسرائيل تقاعست عن الافراج عن الدفعة الرابعة من السجناء ،وانها اعلنت عن خطط لبناء 708 وحدة سكنية في القدس الشرقية ، وهما تقريبا سببا المأزق الذي كاد يؤدي الى انهيار محادثات السلام . امريكا تبذل جهودا جبارة لاستئناف محادثات السلام التي وصلت الى ازمة ما زالت خطيرة ، وتنتهي حسب اتفاق الصفقتين في 29 – نيسان الجاري . السلطة الفلسطينية في مواجهتها للازمة تعتمد على ان الجمعية العمومية اعترفت بها دولة بصفة مراقب بتاريخ 29 – 11 2012 ، لها حقوق الدولة المراقب ، وحق الانضمام الى 63 منظمة دولية ، وهي تعلم جيدا ان المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية ، وكذلك ما يحيط بها من احداث اقليمية وعالمية ، ليس لها الّا التميّز بجدية التزامها بالاتفاقات المعقودة بينها وبين اسرائيل ؛ الامر الذي اوصل اسرائيل الى مزيد من التعنّت والمماطلة واساليب الابتزاز الفاضح . الوفد المفاوض الاسرائيلي طلب من الجانب الفلسطيني التراجع عن انضمامه الى خمس عشرة منظمة دولية لتصبح ست منظمات ، ثم الى عشر ، فاربع عشرة منظمة . رفض ابو مازن وقال : سنستمر بدعم هذه الامة التي تساندنا - - وضعنا القطار على السكّة - - متى يصل ؟ الله اعلم .ثم واصل متابعته لطلب الانضمام الى المنظمات الدولية ، الى ان استجاب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الخميس 10 – 4 - 2014 . وقد وقّع الامين العام على اوراق قبول انضمام فلسطين الى عشر معاهدات دولية تقع تحت رعاية الامم المتحدة، يدخل حيّز التنفيذ في الثاني من ايار القادم . اجواء العلاقات بين السلطة واسرائيل ازدادت توتّرا ، وتبارت القيادات الاسرائيلية في تهديد السلطة الفلسطينية بعدة اجراءات عقابية ، ثم سارع الوسيط الامريكي مارتن انديك في مسعى لاستئناف المفاوضات ، الا ان الجانب الاسرائيلي آثر ان يبقى في منأى عن الاتفاق الذي سبق ان صادق عليه ، استحدث مطلب ابعاد عشرة من السجناء المنوي الافراج عنهم في نطاق الدفعة الرابعة الى الضفة الغربية او قطاع غزة . الجانب الفلسطيني رفض طلب الابعاد ؛ الامر الذي دفع نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الى توجيه تعليماته في سحب بطاقات الشخصيات المهمة ، ومصادرة اموال الضرائب ، وتأخير تنفيذ مشاريع اقتصادية وغيرها من قائمة العقوبات .
بدعوة من الرئيس ابو مازن ، عقدت الجامعة العربية اجتماعا ، حضره وزراء الخارجية العرب ، وفي نهاية الاجتماع ، حمّلت الجامعة العربية اسرائيل المسؤولية عن المأزق الخطير ، ودعت الى تفعيل شبكة الامان العربية في دعم السلطة الفلسطينية .
أمام هذا الموقف العربي الذي يعكس مدى جهوزيةالدول العربية لمواجهة المخاطر المحدقة بها ، سارعت القيادات والشخصيات المؤثّرة في الحياة السياسية الاسرائيلية الى ردود فعل سريعة فعّالة وغاضبة - - اقترح الوزير نفتالي بينيت ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الى دولة اسرائيل ، وسارع نتنياهو الى مهاجمة السلطة الفلسطينية من خلال كشف الغطاء عن مدى اهمية عمقها العربي ، جاء في تصريح له : ( ان حكاما عرباً كثراً اخبروني بأنهم لا يرون في اسرائيل عدوّ ) وهو ينتظر مواتاة الظروف التي تسمح بأن تخرج علاقات العرب معهم للعلن ، واضاف : (بان الفلسطينيين يمرّون بأزمة خانقة ، وأن مشروعهم الوطني مهدد بمزيد من التشرذم والفرقة ). لم تبتعد تسيفي لفني عن الهجمة الشرسة المعلنة على السلطة من خلال التقليل من الشأن العربي والتعبير عن افتخارها بزيارة عدد من الدول العربية احدى عشرة مرة خلال خمسين يوماً . هذا يعني ان الرضوخ الى الغطرسة الاسرائيلية لم ينحصر في الجانب الفلسطيني الذي وقع على وسيلة يتيمة ( المفاوضات ) الى حل لكل القضايا الاساسية المتعلقة بالاوضاع الدائمة ، بل تعدّاه الى الزعماء العرب ، فهم في حرج من اللقاءات والاجتماعات والتنسيق بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، وهم في منأى عن هذه الاجواء المخملية ، يقتضي عليهم تبادل الزيارات مع الاسرائيليين من باب العرف الدبلوماسي وكرم الضيافة ، صفاء الودّ بينهم وبين الامريكان شابته شائبة العلاقة مع ايران المسلمة التي تفوّقت على اسرائيل في عدائها للعرب الذين لا يستطيعون العيش الا ك ( الايتام على مأدبة اللئام ) ، هم بعيدون عن تركيا اردوغان وعن ايران خامينائي ، لم يتعلموا كيف تبنى حضارة البلدان فيما يزيد على خمسة عقود من الاستقلال ، كان حلم الشعب العربي ان يعيش ربيع الحضارة - - - رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت - - يصف الفلسطينيين العرب ، اصحاب الارض والتاريخ ، بانهم (طابور خامس ) ويتبع وصفه بقوله ( معاذاً لله ) - - جريمة العرب في فلسطين انهم لم يستطيعوا التخلي عن المشاعر الآدمية - - مشاعر الآباء والامهات وابناء الوطن اتجاه ابنائهم الاسرى في السجون الاسرائيلية ، ولم يعترضوا على طلب السلطة الفلسطينية بالافراج عنهم ؛ لان الفلسطينيين مطلوب منهم ان يتنازلوا عن كونهم مسلمين او مسيحيين او عربًا او فلسطينيين ، وعليهم ان يكونوا اسرائيليين من الدرجة العاشرة ، او غزاويين او ضفاويين او من اي كنتون مستقبلي ، حدوده جدران فصل عنصري ليس لها رادع . هذه فرصة الزمن الضائع في التاريخ العربي تفتح ابواب الاستغلال الجشع المتوحش في بلاد العرب الغنية بخيراتها وخبرات العقول المهملة ، ويحق للاسرائيليين ان يعربوا عن بهجتهم وفرحتهم بتعثر المفاوضات وعدم اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسرى ويحق لهم ان يقدموا النصح لحكومتهم بتقدير ان الاقتصاد الاسرائيلي سيكون أكثر المتضرّرين ، وأن خسارته ستكون – 6 – مليار دولار سنوياً تقريباً؛ في حال تصاعد فيه توتر العلاقة مع السلطة الفلسطينية لدرجة حلّها وانهاء خدماتها . ولا غرابة بتوصية الاستيلاء على منطقة ( ج ) 60% من اراضي الضفة الغربية ، وضمّها الى اسرائيل وتبقى منطقتا ( ا ، ب ) تحت سيطرة جزئية لحكم ذاتي ، هذه المناطق من مسميات فلسطين التاريخية . الكاتب الاسرئيلي غي بخور من الواعظين يذكّر – ان نفعت الذكرى –
ان الرئيس محمود عباس قد انتهت صلاحيته منذ عام الفين وعشرة - ربّ ضارة نافعة – هو قصد التحريض على الخلاص منه باي وسيلة تراها اسرائيل مناسبة ؛ لكن النتائج ليست مضمونة ، ربما تجري الرياح بما لا تشتهي سفن اسرائيل .ويستطرد غي بخور بوعظه ؛ فيصف التلفزيون الفلسطيني ب ( بوق جمهورية الموز ) وهو لا يعلم انه رفع من شأن السلطة الفلسطينية حين غاب عن ذهنه ان جمهوريات الموز قد تحضّرت وان كوستاريكا وهي من جمهوريات الموز، انتشر ت فيها الجامعات والمعاهد والشعب فيها مشمول بالضمان الاجتماعي والصحي وحق التعليم ، وان الشواطئ فيها حق عام ، ثم جفّفت منابع الامية ؛ حتى وصلت 3 % فقط ، فاصبحت نموذجا يحتذى في جميع برامج اليونسكو في محو الامية . نعم - - جمهوريات الموز تحضّرت والعرب ما زالوا يطلبون ودّ اسرائيل ؛ حتى لو ان المفاوضات قد تشابهت عليها فتعثّرت .