عودة الاديب العصامي الراقي محمد علي طه الى صفورية - عطاالله منصور
كان ابو نزار احد واطرف من تعرفت عليهم من الرجال منذ انتقالي للاقامة في الناصرة. أول ما يميز هذا العربي العصامي الراقي انه كان يستقبل زبائنه بكأس من السودا (التي كان يصنعها بنفسه) وبحديث (يختاره المضيف) وبه يسيطر على الضيف الى درجة نسيانه الغاية من سفره (هذا اذا كان جاء لغاية السفر). كان لطه دكان لمبيع التذكارات للسواح والسودا للعطاشى قريبا من مكاتب شركة العفيفي (نزارين تورز - اليوم).
وهناك تعرف على كثير من الشعراء والادباء وكثير ممن كانوا يظهرون ميلا واهتماما بمحاضرات طه التي قاربت التراث واختصرت الادب وعادت ورددت قصص التراث التي عاشها او سمعها او حبكها المتحدث وحولها الى قصص عائلية جميلة ومليئة برحيق الخيال المرح الذي اطلقه هذا الرجل الذي لم يقض على مقاعد المدارس اكثر من سنوات محدودة في مدرسة صفورية الابتدائية.
وتاريخ طه الادبي يبدأ من قصة قصيرة نشرها في "المجتمع" لصاحبها المرحوم مشيل حداد - ولا ابالغ ان قلت ان طه اعاد على قص هذه القصة القصيرة ومطابقتها التامة لشروط القصة القصيرة الكلاسيكية، التي تدور حول طموح الفتى الفقير الذي كان يعتاش من جمع القناني الفارغة، عشرات المرات حتى اقنعني بان طه يؤمن بان هذا الفتى، وكل مجتمعنا الذي عاش يومها مرحلة الضنك والفاقة - لن يقوم من سقطته على موائد اللئام الا بجمع الزجاجات الفارغة والصعود منها الى فوق ليعود شعبا كريما.
وقد فعل طه بنفسه ما دعا له، و بعد ان تعب واجتهد تعلم اللغة الانجليزية بدون مدرسة ولا معلم واقام جسور التفاهم والصداقة مع السواح والزوار، وتحول الى مؤسسة ثقافية وجعل من دكانه ندوة ادبية، وتحول شاعرا رقيقا من مدرسة رمزية لم نعرفها، وقبل ان نعتاد على شعره هذا اختطفته الولايات المتحدة فراح يسافر بين الناصرة ونيويورك حيث تحلق حوله عشاق شعر "الغرباء" - واغلب الظن ان دواوين شعره الانجليزية تفوفت - من حيث الانتشار على الاقل- على دواوينه العربية !
واغلب الظن ان ابو نزار كان يتمنى ان يحتضنه تراب صفورية وقد يعزيه ان يكون في مقبرة الناصرة الجديدة في موقع يمكنه ان يكون على مرمى حجر قبالة اجداده الذين كانوا ابطال خياله في صفورية