الصدقُ بالقولِ والفعلِ، لا لِلغدرِ والكذبِ
جاسر الياس داود
أمَرَنا اللهُ عزّ وجلّ مُذ خلق الخليقة أو العالم، أن نكون صادقين مع أنفسنا، وذلك عن طريق الإيمان الذي نلناه من تعاليم الأنبياء والرسُل، الذين حملوا رسائلهم ونشروها بين بني البشر، كلٌّ بحسب وجهة نظره ورؤيته للظروف والمعيشة الحياتيّة للشعوب أو الأفراد المُرسَل لهم.
لم تشأ حوّاء أمّنا الأولى إلّا أنْ تُبطلَ الأمانة التي أؤتمنَ عليها آدم، وبهذا خانته وخانت قول أو أقوال الله، فحرمهما الله من الحياة الأبديّة، وأنزلهما عقاباً لهما من العيش بالجنّة للعيش في الحياة الأرضيّة الشاقّة، وكانت خطيئة آدم الإصغاء والعمل بحسب قول زوجته حوّاء، بالرغم من تحذيره من قِبَل الله عزّ وجلّ، فنال العقاب ومنه بعرق جبينك تأكل خبزك،وأيضاً حوّاء لم تفلت من العقاب، فكانت حصّتها بالعُسر تلدين ومن ثدييْكِ تُرضعين.
إذاً الله عزّ وجلّ الذي خلقَ آدم ومنه امرأته حوّاء ومنهما نسل بني البشر، لم يُعطه مُسامحةً مقابل الخطيئة والغدر والخيانة وعدم الصدق بتصرّفاته وأعماله بعد أقواله، كي يكون عبرةً لبني البشر المخلوقين أو المولودين من بعده.
لم يَكتفِ الله عزّ وجلّ بهذا، إذ عرفَ بأنّ النسل البشري سَيرتكبُ أبناؤه أخطاء ويقترفون الخطايا، لهذا أرسلَ لهم عدّة أنبياء ورُسُل، ليرشدوهم إلى طريق الصواب، طريق الحقّ والابتعاد عن الباطل، أرسلهم لكي يكونوا عوناً للمُرسَلين إليهم، وهؤلاء الأنبياء والمرسلين تعاونوا مع المُرسَلين إليهم كلّ بحسب الطريق أو التصرّف الذي يفهمونه، ويُدركون منه عدم الاقتراب من الخطوط الحمراء، التي وضعها وأقرّها الله عزّ وجلّ على ألسن هؤلاء الأنبياء والرسل.
ولقد دعا سيّدنا يسوع المسيح قائلاً:" إعمَلوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبديّة الذي يُعطيكم ابن الإنسان لأنّ هذا الله الأبُ قد ختَمَهُ.(يوحنا 6: 27).
أي إفعلوا واعملوا الحسنات ، وابتعِدوا عن السيّئات والفواحش، لأنّ مَنْ أراد نيل الحياة الأبديّة العظمى، عليه تخَطِّي المطبّات التي من الممكن الوقوع بها، وبهذا يكون قد أنْزلَ على نفسه عقاباً شديداً، لا تشفع له لا الصلوات المُزيّفة وغير الصادقة ولا التوسّلات المُبطّنة بالغشّ والخداع.
قلتُ سابقاً بأنّ الأنبياء والرُسُل الذين أرسلهم الله عزّ وجلّ لشعوب وقبائل، تعاونوا مع المُرسلين إليهم كلٌ بحسب طريقته وأسلوبه.
لهذا فالنبيّ محمّد بن عبد الله القريشيّ(صلعم) جاء بكتابه العزيز لشعبه، الذي قاومَهُ
وحاول قتله ودفن الدين الإسلاميّ من أوّل الطريق، ولكن الله عز وجلّ كان إلى جانبه، يُرشده ويحميه لأنّه مُبشِّرٌ بالحقّ ويرفض ويقاوم ويُحارب الباطل " إنّ الباطل كان زهوقاً".
المُسامحة كانت ميّزة تحلّى بها كلّ الأنبياء، لأنّ الرحمة كانت إلى جانب القسوة، والمُسامحة إلى جانب العقاب، والخير كان مُقلقاً للشرّ وأتباعه.
هناك الكثيرون من العُرب الذين ضايقوا وحاربوا النبيّ محمّد (صلعم)، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: عمرو بن العاص، خالد بن الوليد والشاعر كعب بن زهير وغيرهم. عندما ارتدوا إلى الإسلام تاركين الكفر والكفّار وراءهم، قبلهم النبيّ محمّد (صلعم) برحابة صدرٍ، وكانوا مُطيعين وصاغين إليه ولم يكذبوا ولم يقترفوا ذنباً، وكانوا يطلبون الإذنَ منه لعمل ما يخصّ المؤمنين، فكان يرى بهم اللَبِنات التي ستقوّي أركان الدين الإسلاميّ :" إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه إنّ الذين يستأذنوكَ أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوكَ لبعض شأنهم فاذَنْ لِمَنْ شئتَ منهم واستغفر لهم الله إنّ الله غفورٌ رحيم "(سورة النور،آية 62).
إذاً الطاعة للرسل والأنبياء هي الطاعة لله، لهذا فالمُسامحة جُبلَت من الله عزّ وجلّ، وعُمِلَ بها عن طريق الرسل والأنبياء الذين أرسلهم، فسيّدنا يسوع المسيح كان يعرف بأنّ تلميذه بطرس سيُنكرُهُ قبل أن يصيح الديكُ ثلاث مرّاتٍ، وبالرغم من هذا كان يُحبّه وقالَ عنهُ :"على هذه الصّخرة أبني كنيستي "، والصخرة قصدَ بها بطرس نفسه.
كما وانّ النبيّ محمّد (صلعم) لم تملأ قلبه الضغينة والحقد، بل بالعكس، جعلَ التسامح يحتلّ قلبه، فنراه يُسامح هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان (آكلة الأكباد) التي أعتقَت العبد الذي قتلَ عمَّهُ حمزة، الذي دافع عنه وعن الدين الإسلامي.
إذاً الذي خانَ وغدرَ وتابَ قبلَهُ الرسل والأنبياء، ولكن ويلٌ للذين يُظهرون التوبة وقلوبهم مليئة بالغدر والخيانة، فالله عزّ وجلّ يُنذرهم بعذابٍ أليمٍ، لأنّهم لم يُحافظوا على نعمة فعل الخير والابتعاد عن فعل الشرّ.
فصوماً مقبولاً وإفطاراً شهيّاً آمين.
18/7/2013م عبلين الأراضي المقدّسة