عن كتب صحفية - عزمي بشارة
منذ أن كنت شابا ناشطا في النضال السياسي الطلابي وغير الطلابي لفت نظري الصحفيون الاجانب المهتمون بالقضية الفلسطينية وقضايا العرب بشكل غير متناسب مع قضايا أخرى في العالم. وكان هؤلاء يجرون معنا مقابلات غالبا ما نندم لاحقا على إجرائها لأنها لم تأخذ من الكلام سوى جملتين وضعتا في سياق مؤيد لإسرائيل ومعادي للعرب، أو ضمن أجندة معدة سلفا. وتعلّمت منذ الصغر أن أكون حذرا في منح المقابلات التي يمكن لصحفي أن يتصرف بها كما يريد ضمن قصة يكتبها، وليس كمقابلة حصرية. فغالبا ما يحوّل من يمنحه المقابلة إلى أداة لإثبات وجهة نظره، أو لمآربه الصغيرة جدا.
هنالك بالطبع استثناءات، وهي قلية جدا لإعلاميين كتبوا بشكل شبه علمي عن قضايا تعاطفوا معها في فيتنام وفلسطين. والتعاطف هنا شرط لأنه يمنع كتابة الآراء العنصرية المسبقة على الأقل. وغالبا ما يصلح هؤلاء مصدرا للمعلومات لتصحيح رأيهم العام، ولكنهم ليسوا مصدرا بالنسبة لباحث من المنطقة ذاتها، فغالبا ما يسرق هؤلاء المتعاطفين أفكار الباحثين ابناء المنطقة، ولكننا نتسامح معهم حين تكون "السرقة" هذه لهدف معقول على الأقل. هؤلاء قلة قليلة وغالبا ما يتطلب الأمر أن نردع حتى هؤلاء من الميل للأستذة والوصاية.
وتطورت الظاهرة وأصبحنا نرى شبابا عربا فلسطينيين وظيفتهم مرافقة الصحفيين الأجانب والمناطق المحتلة ويجعلون السمسرة هذه مصدر رزق لهم، وأحيانا يبدأ الأمر برغبة (أو تبرير ذاتي) بلعب وظيفة ايجابية في التأثير على المراسل الأجنبي، ولكن في الأغلب الأعم يتحول العمل إلى اعتياش على القضية (وليس لصالحها أو لصالح فصيل أو مؤسسة فلسطينية كما يدعي الاعتياش المعروف فلسطينيا) بل لصالح الشبكات الإعلامية الأميركية والأوروبية والإسرائيلية المسؤولة بدرجة كبيرة عن تشويه صورة العرب والمسلمين والفلسطينيين.
ثم تعرفنا على ظاهرة الصحفيين الذين يكتبون كتبا. والصحفي الغربي هو غالبا شخص عادي متوسط الذكاء (أو أقل) ولديه انحيازات وأهداف وانحرافات وميول صغيرة، وهو بالتأكيد ليس باحثا متخصصا، فليست لديه الأدوات العلمية، ولا الموضوعية العلمية اللازمة لإجراء بحث. ولكن عند كتابة كتاب عن العرب والمسلمين في الغرب ليس مطلوبا أن تكون باحثا. فدور النشر تكلّف الصحفي أن يكتب، أو تقبل اقتراحه للكتابة، بموجب الطلب في السوق. وتصاغ الكتب لترضي الأراء المسبقة عن العرب والمسلمين وغيرهم. ولا تراجع من قبل متخصصين. وأقل ما يقال فيها أنها تتضمن بضعة أنصاف وأرباع حقائق معروفة والبقية حشو من السفاسف والترهات (وأحيانا حتى الأكاذيب في خدمة أجهزة أمنية غربية أو غيرها).
وفي مرحلة بالكاد نقبل فيها أن نعتمد على كتب اساتذة جامعات وبحاثة مستشرقين في شؤون العرب والمسلمين لأن لدينا مشكلة مع موضوعيتهم، تصدر كتب لا عد لها ولا حصر من صحفيين يزورون المنطقة، ويقابلون الناس، ويثرثرون، ثم يكتبون كتبا لا يصلح اي منها ليكون مصدرا عن المواضيع المطلوبة مثل الثورة المصرية أو السورية مثلا، ولا عن فلسطين. ولإرضاء الناشر ومحرريه يصاغ السرد بلغة درامية مثيرة، وتكثر فيه التفاصيل غير المدققة والشائعات. وتعود شائعاتنا وتقولاتنا إلينا مضافا إليها عنصرية الكاتب أو آراؤه المسبقة عن العرب على شكل كتاب. وبما أن هذا الكلام الفارغ صدر بالانجليزية أو الفرنسية فإنه يصبح مصدرا للبعض، لا سيما أولئك الذين أثاروا الشائعات ونشروا الترهات التي يرونها الآن على شكل كتب لصحفيين عنصريين مصدرهم حديث مع سفارة دولته في البلد المعني، أو أحاديث مرسلة في مقهى أو ثرثرة صحفيين أو سياسيين عرب ضد خصومهم. فقط عند أصحاب العقلية المستعمَرة يمكن لهذا أن يصبح مصدرا.