على غرار اغلاق تلفزيون اسرائيل باللغة العربية - هل تعلن اسرائيل افلاسها الأعلامي؟ بقلم عطاالله منصور
اعتدنا على ترديد عبارة اننا -العرب في اسرائيل- نشكل 20% من السكان ولكن حصتنا من ميزانية الدولة لا تتعدى 5% وان حصتنا من اساتذة الجامعات الاكاديمية لا تتعدى ال- 2.7% ومن اعضاء الكنيست (بغض النظر عن تصرفاتهم وطريقة وصولهم الى الكنيست ) هي 10% فقط.
ولكن المفاجأة السارة وصلتنا للمرة الاولى قبل ايام معدودة ومنها نتعلم بان نسبة مشاهدي التلفزيون الاسرائيلي باللغة العربية لا تتعدى ال- 0.2% ( اي اثنين من الف مشاهد تلفزيون في اسرائيل). وان هذه النسبة غير ثابته وانها تتارجح حول هذه النسبة - ترتفع احيانا وتسقط- لتستقر حولها فقط !
هذا النبأ اعادني الى ذكرى جريدة "الانباء" الحكومية التي صدرت في القدس بعد حرب حزيران 1967 بعد اغلاق جريدة "اليوم" التي صدرت في تل ابيب حتى تلك الحرب . كانت جريدة "اليوم" من تلك الصحف التي تلد ميته طيلة عشرة الاعوام الاولى من حياتها وقد تعرفت عليها في الاشهر الاولى بعد بدء عملي في مجلة "هعولام هزه". ذهبت اليهم بتوصية من مدير مكتب وكالة انباء "يونايتد برس" الذي اشفق على عربي يكتب باللغة العبرية وذلك بعد ان رافقت كاتبه بريطانية ارادت ان تكتب لوكالة الانباء الاميركية تقريرا عن احتفالات عيد الميلاد في الناصرة عام 1954.
استقبلني في مكاتب جريدة فلسطين سابقا طوبيا شموش (اليهودي السوري الاصل الذي استعمل في الصحيفة اسم توفيق شموس) واقترح علي ان ازودهم باخبار محلية . مثلا :زيارات الحكام العسكريين لوجهاء القرى العربية. زيارة مفتشي وزارة الصحة ورش مواد الدي دي تي فيها لمنع الاصابة بالملاريا وقال لي انهم سيدفعون لي اجرا عن كل خبر، واعتذر لأنهم لم يحددوا المبلغ حتى الآن ولكنهم سيجتمعون قريبا لبحث الامر وسألني ان كنت مستعدا للقيام ببيع الجريدة وجمع الاعلانات.
كدت أنفجر من الضحك. انا ابحث عن عمل صحفي فيقترحون علي بيع الجرائد في الطرقات.
بعد اربعين عام ونيف قرأت وثيقة رسمية تقول بان القراء العرب في تلك الايام رفضوا شراء جريدة "اليوم" وكان خبراء اسرائيل في فهم العرب يقولون بأن هناك - ولا شك - مؤامرة عربية تقول بمقاطعة الصحيفة الحمومية والبقاء بدون صحيفة يوميه (ولم يكن للعرب في تلك الايام السحيقة سوى "الاتحاد" الشيوعية الاسبوعية و"المرصاد" المبامية الاسبوعية - ايضا ).
ولكن الحكومة والهستدروت وصلوا في 1958 الى اتفاق بان تتحول "اليوم" الى ملكية مشتركة حكومية - هستدروتية، وعهد الى الكاتب العراقي المولد نسيم رجوان تحرير الجريدة واختير صبحي يونس مدير مدرسة عرعرة كنائب له وطلب مني ومن بعض الزملاء تزويد الجريدة بمقالات تعبر عن اراء ومشاكل القراء العرب - وقد كنت في هذه المرحلة احتل موقعا محترما في ارقى واعرق صحف اسرائيل "هارتس".
استجبت للدعوة وقمت طيلة 15 عاما واكثر بالكتابة لجريدة "اليوم" (والانباء بعد 1967) من زوايا اسبوعية. بالاشتراك مع صديقي المرحوم الشاعر راشد حسين كتبت زاوية ساخرة، ومع صديقي الدكتور جمال قعوار، اطال الله عمره، كتبت زاوية لتشجيع الكتاب الشباب. كما كتبت لهم زاوية "وجهة نظر" بتوقيعي، وكان شرطي الدائم انني لن اسمح بعدم نشر ما اكتب، ولهذا السبب بالذات كان اشتراكي في تحرير الصحيفة متقطعا.
كتبت المقال الاخير للصحيفة في صيف 1975 عندما توقعت ان تحتل جبهة الناصرة الديموقراطية بلدية الناصرة لأن حزب الحكومة المباي (الذي حكم اسرائيل و"اليشوف" اليهودي قبل انشاء الدولة قرابة 50 عاما متواصلة!) فشل في التعامل مع الموطنين العرب. تم رفض مقالي وانقطعت عن الكتابة - وكانت اعداد جريدة "الانباء" يومها تباع وتصل الى مئات البيوت في الناصرة.
وبعد سبعة اعوام (1983) قرر الوزير المرحوم عيزر وايزمان (الذي اشرف على شؤون المواطنين العرب) اغلاق الجريدة. سألته عن الدافع لفعلته . قال بأسلوبة الساخر والمتميز "لقد هبط عدد قراء الانباء خارج السجون الى عدة مئات وكنا نصرف عليها ما يكفي من الاموال ما يكفي لرشوة غالبية القراء، وهم من نزلاء السجون وتجنيدهم لخدمة اسرائيل!". كانت " الانباء" يومها الصحيفة الوحيدة التي يسمح بتوزيعا في السجون.
اليوم جاء دور سلطة الاذاعة المعينة من قبل حكومة اسرائيل لتعلن افلاس سياستها المعيب في انتهاج سياسة اعلامية يقبل بها المشاهد العربي فتغلق قناتها "العربية" وأغلب الظن ان هذا القرار سيتم ذكره في المستقبل القريب كنقطة تحول في البحث حول فشل المؤسسة الاسرائيلية في مسعاها للوصول الى صيغة للمصالحة مع محيطها العربي!