مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

أما في الأرض من لبيب - جواد بولس

0.00 - (0 تقييمات)
نشرت
565
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

أما في الأرض من لبيب - جواد بولس

 

حاولت معظم الأجسام السياسية الناشطة بين جماهيرنا العربية في إسرائيل أن تستفيد من إطلاق نداءات الوحدة والتأكيد على حاجتنا إلى إتمامها كفريضة مستوجبة ووسيلة أمست قدرًا لمجابهة ما آلت إليه أوضاعنا وما سينتظرنا خلال وبعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

المضحك المبكي في هذه القصة أنّ ما كان محتومًا منذ البداية تجسّد. بكوا في طريقهم إلى وحدة ضائعة وبكوا أكثر في طريق عودتهم من وحدة عاقر بائسة. ليس لتجّار السياسة أكتب، بل لأصرخ، كما صرخ أبن المعرة وأتوجع: "أما في الأرض من رجل لبيب"؟

كتاباتهم أعادتني لصيحات تلك الأيام، إلى توالي السبعينيات، يوم كنّا نصرّ على أن نفهم الصخر بأن لا صوت يعلو فوق صوت شعب يطير على نصل برق ويحط "كمطوّقة بباب الطاق"، تنوح فيبكي "شيخ وعكاز وحجر". يومها كنّا نحب من الأدب ما حمله "سَحَر" فلسطين من صبّار وخجل "عباد شمسها" وكنّا نسمع من أشعار مَن جعلنا "نعطي نصف عمرنا لمن يجعل طفلًا باكيًا يضحك"، يومها كانت براعم الفاشية تُبذر في كل منحنى وكل رابية وكنّا نحاول أن نجهضها كي لا نكبر "تحت أعواد المشانق". سلّحونا بالهويّة والنوم في حضن قصيدة وبيت شعر وحصيرة. قالوا اثبتوا وتعلّموا من تلك القوافل التي قادها من كان قلبه في جناحي طير. توحّدوا فالوحدة قوّة، هكذا علّمت الهزيمة. كنّا في عمر النبع وقلقه. كان الانتماء الحزبي مصالحة مع الذات وغمدًا. أحببنا اكتشاف انسانيتنا، بكينا مع من سقى الفولاذ، وتعلمنا من "ديمتروف". هل تذكرونه يا رفاق الشقاء والعزاء والخسارة؟ قبل أكثر من ثلاثين عامًا انتشينا حين علمنا ذلك الثائر البلغاري كيف "للجبهات" أن تكون سدودًا منيعة تصدّ الريح وتدحر الفاشية. رحل ورفاقه وتركوا للبشرية إرثًا انسانيًا من نضارة تتجدد ونضار لا يشبه معادن الأرض. تركونا في شرق ينوء بأثقال لا يقدر عليها "أطلس". شرق يحاول أن يصحو والكل ينشط على "جبهات" وفي "وحدات" تصد المارد وتقهر الظلم. هنا، في الشرق، خسر "ديمتروف" الرهان والقضية. فهنا كانت يد السماء أقوى وأعلى.  

والساحة الأهم عندي تبقى ساحتنا، نحن ضحايا ما يتشكل من نظام خطير في إسرائيل وما سيكون في الانتخابات المقبلة. المسألة الأساسية ستكون في التصدي المشترك لخطر اليمين الداهم والمطلوب تحالف القوى الوطنية العربية ومشاركة القوى الديمقراطية اليهودية. هكذا كتبوا وعند البعض كانت زيادة نسبة التصويت هدفًا سيتحقق من جراء الوحدة المفقودة. لم أستوعب  ما هو شكل الوحدة التي لم تكن؟ هل هي دمج الأطر الحزبية الممثلة في الكنيست في قائمة واحدة؟ هل كان ذلك ممكنًا من الناحية العلمية السياسية والعملية النضالية؟ ألا يجب لبناء وحدة/جبهة قادرة على العمل أن يتوافق المتوحّدون على تشخيص عدوهم (الطبقي، القومي، الاجتماعي). فهل يكفي أن يكون حليفي عربيًا لينضم إلى هذا الجسم دون أن يهمّني ما هي قاعدة بياناته الفكرية السياسية الاجتماعية وما هو رصيده في تاريخ هذه الجماهير؟ من سيحدد من هي القوى الوطنية العربية، لا سيما في زمن كثرت فيه الرؤوس وغابت الأذناب؟ من سيحدّد من هي القوى التقدمية اليهودية؟ هل يضم يهود يلاحقهم النظام وأشهروا موقفًا واضحًا من الفاشية المتشكلة وأبدوا خوفًا واستعدادًا للعمل ضدها وما زالوا يعرّفون حالهم بصهاينة. 

إذا كنّا في صدد بناء وعاء فوقي يضم الأحزاب الممثلة في الكنيست والمستحزبين، فليكن واضحًا أنّ هذه ليست وحدة أو جبهة عمل سياسية. مثل هذا الجسم قائم ومتمثّل في لجنة المتابعة، فتوجّهوا لهناك وخذوا العبر وأصول النضال والصمود والتصدي. وإذا كنا نبحث عن وحدة تضمن القيام وتنفيذ برنامج عمل كفاحي يستشرف المستقبل، فسؤالي ما يمنع الاتفاق على مثل هذا البرنامج قبل وبعد الانتخابات مباشرة؟ وإذا كان المطلوب بناء جبهات على أسس سياسية علمية، عرفها العمل الوحدوي في تاريخ نضالات الشعوب، فأسأل ما الخلل في إطار الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة فهي جبهة بكل المعايير وإن كانت بعض التحديثات واجبة؟ ولماذا لا تعتبر القائمة الموحّدة نوعًا من أنواع الجبهات وهي تضم حزبًا إسلاميًا وحزبين قوميين عربيين وحركة عربية تنادي بالتغيير. هل من وعاء سيحتمل أكثر من ذلك؟

لن نتصدّى للفاشية بزيادة ثلاثة مقاعد عربية. لم يكن غياب الوحدة سببًا وعاملًا في نكوص الجماهير عن المشاركة في الانتخابات. عوامل كثيرة أدّت لذلك، لن تُشفها وحدة مصطنعة كاذبة. يجب مداواة أسباب هذه النزعة والنزوع. إلى حين ذلك، استهداف مجتمع الأكثرية وإيجاد وسائل التحالف مع من يؤمن أن التناقض والخطر الأساسيين القادمين هو نظام سياسي عنصري يتسم علميًا بتعريفه كفاشي، هو الواجب وأساس برامج العمل السياسية الوحدوية القادمة. وإن كانت الوحدة المرجوّة هي وحدة صمغها دم الضحية المؤجل فلن نسلم على طريقة نوح والعجائب، وما في حكم الغيب جليّ اليوم وحاضر، فإما كسر القوالب وإما جبر الخواطر. وتبقى الحكمة والحل كما أورثنا من عاش في حبسين حرًا: أين اللبيب لـ"يفرق بين إيمان وكفر"؟  

 

565
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

جاري التحميل