باقون لكن ليس باكون
كيفما نظر المرء حوله في الشرق الأوسط وجد المسيحيين في مواجهة تحديات جمّة. تبرز بين تلك الدول مصر وسوريا.
ففي مصر ادى حرق مكوجي مسيحي لقميص زبون مسلم الى اعتداءات على املاك المسيحيين الأقباط في دهشور وترحيلهم من بلدهم لحقبة من الزمن. كما تلقى اصحاب المكتبات المسيحية في القاهرة تهديدات بعدم بيع رموز مسيحية كالصلبان والايقونات وذلك من فئات سلفية متعصبة دون رد فعل مناسب من حكومة الاخوان المسلمين.
أما في سوريا فالمسيحيين يراوحون بين مطرقة دكتاتورية نظام الأسد البائد المدعوم من ايران وروسيا والصين وبين الفئات المعارضة المدعومة من السعودية وقطر وتركيا وامريكا ويطغى على خطابها بشكل متزايد خطاب اسلامي متطرف.
المسيحيون في الدول العربية الاخرى لا يختلفون عن اشقّاءهم في سوريا ومصر ولا يتمتعون هم ايضاً بالحريات الدينية والمدنية. العالم العربي يقبع في مستنقع من التخلف والرجعية والكبت. آمال الربيع العربي تبددت مع اوراق خريفه. على ضوء ذلك فان اغراء الهجرة يلقى تجاوباً في قلب كل عربي يريد التقدم والازدهار والحرية. يجد اغراء الهجرة قابلية خاصة عند المسيحيين. سبب ذلك هو نسبة المتعلمين المرتفعة، الابواب المفتوحة لاستقبالهم في كثير من بلاد الغرب "المسيحي" وشعور الغربة المتزايد بسبب الخطاب الاسلامي المستخدم. يزيد الطين بلّة انفلات سوائب المتطرفين لإيذاء المسيحيين اينما كانوا - والذي يضع اتباع المسيح في الشرق في خانة الأقلية المستضعفة.
لماذا التمسك بالأرض والصمود في بلاد الشرق في مثل هذه الظروف؟ اليست تورونتو أو سيدني أو لوس انجلس ملجأ لحياة اكثر حرية واحتراماً ورفاهية؟
يتساءل كثيرون لماذا كُتب علينا الشقاء في شرق يتدهور من قاع الى قاع؟
رغم بؤسها في هذا الزمن ،لا تزال ارض شرقنا كما كانت مسرحاً للتعامل الالهي مع البشر على مر العصور. انتقاها الرب من بين مساحات الكرة الأرضية كلها.
يزور الحجاج من كافة الجنسيات والبلدان بلاد الشرق وخاصة البلاد المقدسة لكي يسيروا في خطوات الرب. ففي القدس الصلب والقيامة، في الناصرة البشارة، في طبريا الموعظة على الجبل، في الشام عرف بولس ربه، في جبل نيبو نظر موسى الارض الموعودة ولكنه لم يدخلها، في مصر لجأ الطفل يسوع من بطش هيرودس والى نينوى هرب يونان. ان زيارة هذه المواقع والمدن في الشرق تعطي الزائرين تجربة روحية اعمق يتخللها تجسيد لمسيرتهم الايمانية وفهم اعمق لقصص الكتاب المقدس وحياة الرب يسوع في الارض. هل نترك هذه المواقع لتكون شهادتها حجارة وآثار وحفريات خالية من بشر قد آمنوا بالمخلص؟
هل خصصنا الرب للرفاهية والراحة النفسية والجسدية والنجاح المادي حين دعانا من الظلمة الى نوره العجيب؟ هل مشيئته ان نحيا بالراحة والاستقرار وان تكون حياتنا مفروشة بالزهور وذلك فقط؟
لو سعى الرب لذلك لما اتى لبلد تحت احتلال الرومان وسلطة ملك قاس ومتهور كهيرودس بل الى روما أو اثينا...
لقد طغى على البشر الفكر الذي يضع الانسان في مركز الكون. وليس في ذلك خطأ فقد خلق الرب الكون لأجل الانسان. فهنا يطالبون بحرية التعبير وهناك بحقوق اقتصادية وهنا حقوق الطفل وهناك حق المرأة. هنا يطالبون بحقوق الفلسطينيين وهناك بحق ضحايا النازية. لكن المطالبون بحقوق البشر تغافلوا عن حقيقة ان الانسان خُلق ليمجد اسم ذلك الاله وهكذا اصبحت مطالبتهم بالحقوق من منطلق اناني غير مراع للغير. تسلل هذا الفكر بمفهومه الضيق الاناني الى الكنيسة فأصبحنا ننظر لراحتنا بمعزل عن مشيئة الرب ودعوته. فإذا ضاقت الاحوال- فما يهمنا هو ايجاد الراحة والرفاهية بعيداً عن التعب والصعوبات. اذا ضاق الشرق، فالغرب يفتح أوسع أبوابه.
للرب قصده ومشيئته لاولاده ولم يضعنا في بلاد الشرق في هذا الزمن الرديء صدفة بل لنتمم مشيئته بأن نكون نوراً يضيء في ظلمة الشرق الحالك. هذا النور الصغير سيزيد اشعاعاً لا محالة اذ هو يطرد الظلمة الى خارج. اذا ملأ نور المسيح العالم بجوانبه الأربعة فان نور اتباعه قادر ان يضيء ارض موطنه وشرقه مرة اخرى.