الحَفيدُ المُحِبّ
جاسر الياس داود
سأل الحفيد جدّته قائلاً ومُستفسراً عن شيء غريب:
يا تيتا ليه ما بتعرفي تكتبي وتقري ؟!!
تنهّدت الجدّة وبَدَتْ على وجهها علامات الحسرة والمرارة، وأجابت:
شو بدّي أقُلَّك يا ستّي، ليش أنا لحالي ما بعرفش أقرأ وأكتب ؟!!
مَفي كثير زَيِّي لا بِعرفوا يقرأوا ولا بِعرفوا يِكتبوا. إحنا يا ستّي عِشنا في زمن السفربلّك.
شو هاي السَفَرْبلِّك يا تيتا ؟
ردّت الجدّة وقالت:
هاي يا ستِّي زمن حكم تركيا لهاي لِبْلاد. تركيا هاي يا ستّي كانت في حالة حرب مع الجيران، مَكَنِش هَمْها إلّا توخذ الشباب للحرب، وتوخذ الضرائب والمال من الناس. اللي حالتو منيحة، كان يدفع خمسين ليرة عشان ما يوخذوا إبنُه عالحرب، ووقت الحرب لا كان في مدارس ولا إشي. إحنا البنات كنّا نعمل في البيت مع إمَّياتنا، وكُنَّا نعمل في الأرض والزرع، نعَشِّب، نُحصُد ونجمع الزيتون في موسم قطف حبّات الزيتون في الكروم.
والشباب شو كانوا يِعْمَلوا يا تيتا ؟ سألها الحفيد.
الشباب كانوا زينا، لاتعلّموا ولا راحوا عَ المدارس، عشان هيك أغلب ولاد جيلي، بنات وولاد كانوا واليوم زُلُم وإمّيات، لا بِعرفوا يقرأوا ولا بِعرفوا يِكِتبوا.
شو بِدِّي أحكيلَك يا ستِّي، والله اليوم إنتو عايشين بِألف نعمة ونعمِة.
ليش يا تيتا ؟
والله يا ستِّي في أيّام كانت ما نلاقي الخُبزِة. وكنّا نِعْجِن ذُرَة بِيضَة ونِخبِزها وكان إسمها الكَراديش.
سألَها الحفيد: إيش إسمها يا تيتا ؟
اسمها الكَراديش. هاي يا ستِّي إذا بَرَدِت صارَت زي الحجار، لازم توكُلها وهي سُخْنِة بَسْ. مع كُل هذا كانت عيشتنا أحسن من عيشة اليوم، كُنّا نقتنع بالقليل ونحمد الله. اليوم إنتو كل إشي عندكو ودايماً بِتْجِضو !! إيه يا ستِّي دير بالَك دايماً أشْكُر ربَّك كل صباح وكل عشيّة، ودايماً إتْذَكَّر إنّو كل إشي مِن عنده وبِدونُه ما في إشي، صَلِّي لمّا تفيق الصُبِح، وصَلِّي قبل ما تنام، وحِبِّ الناس كلِّ الناس، وإوْعَك يكون إلَك أعداء، بَس بالحُب والمحبِّة بِنُّول رضى الله ورضى الوالْدين، والله يِحميك يا ستِّي ويِحمي جميع الناس آمين يا مُستجيب الدعوات.
عبلين 3/10/2012م