عقبات على طريق المعجزة - عطاالله منصور
جمعتني الظروف اثناء زيارة للولايات المتحدة باحد ابرز القيادات الاكاديمية العربية - الفلسطينية في الولايات المتحدة. كان ذلك قبل ربع قرن وفي اجواء من الجمود في الشرق الاوسط. وبعد عبارات قصيرة ومقتضبه سألني المضيف بسؤال صريح: هل ترى في المستقبل المنظور نشوء ظروف فيها يستطيع العرب فرض مواقفهم على دولة اسرائيل مثل اخلاء المستوطنات في المناطق الفلسطينية واعادة اللاجئين وتطبيق قرار التقسيم الذي اقرته الامم المتحدة عام 1947؟
قلت : يؤسفني ان اكون صريحا مثلك وان اقول بأنني لا ارى في الافق ما يشير الى ان الطرف العربي يسير على درب قد يوصله الى مكانة تؤهله للتفوق على اسرائيل ومن يقفون وراء اسرائيل في المستقبل المنظور!
قال : وماذا يعيق الجماهير العربية المتفوقة عدديا على يهود العالم والقوى الداعمة للصهيونية ؟
قلت : لا اظنك تجهل الاسباب. اكبر وأرقى الدول العربية ما زالت في مراحل التغلب على الامية، وانت مثلي تعرف مستوى المؤسسات التعليمية في الدول العربية المتدني الى درجة تجعلنا احيانا نفضل عليها حالة الامية المطبقة..
قال : لست بحاجة لمزيد من الاحباط ! الا تملك ما تقدمه من رحيق تباشير الأمل في هذه الظلمة الظلماء؟
قلت : اذا فشل العالم العربي في بناء المجتمع والمؤسسات القادرة على تربية "صلاح الدين" الجديد فهناك فرصة قد تكون اكثر بشرة وهي ان تقوم انت بالذات مع اخوانك من المغتربين العرب في الولايات المتحدة بانشاء تنظيم فلسطيني- عربي- اسلامي- ولبرالي يشكل قوة ضاغطه على الطرف الثاني وأرغامه على الاعتراف بحقوق شعب فلسطين!
قال محدثي بلهجة اليائس المهزوم: اخشى بأن هذا وذاك لن يحدثا طيلة حياتي !
وقد صدق هذا القول من محدثي فقد انتقل عن هذه الدنيا قبل انتخاب براك اوباما الرجل الاسود الاول في تاريخ الولايات المتحدة للأقامة في البيت الابيض. واغلب الظن بان انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة كان بمثابة معجزة اذ لم يقف لونه جائلا امام اختيارة للمنصب، حتى ولا انحداره من اصول اسلامية افريقية من كينينا.
ولكي ابسط الأمر للقارئ العربي اعطيه مثلا: هل يعقل ان تنتخب اغلبية المصريين مرشحا قبطيا ولدته مطلقة سودانية لرئاسة جمهورية مصر العربية؟
وحين اتطرق الى ابعاد العنصرية في بلاد العام سام اذكر ان جون كنيدي رئيس جمهورية تلك الديار اضطر قبل 50 عاما فقط الى اصدار الأوامر لجنود الجيش بمرافقة اطفال السود في بعض الولايات لصفوفهم وحمايتهم حتى عودتهم سالمين الى بيوتهم، لأن حكام تلك الولايات وشرطتهم لم تؤتمن على تطبيق القانون بضمان المساواة للاطفال في مدارسهم! كما كان طبيعيا في تلك الديار ان تجد مقاعد الباصات تحدد لون الجالسين عليها فلا تسمح للأسود الجلوس على مقعد خصص للبيض حتى ولو لم يكن بين الركاب من هم ينتمون الى العنصر الابيض او الاسمر . ومن هنا اعتقدت ومثلي اعتقد الكثيرون بان انتخاب براك اوباما كان معجزة وأملا بان الولايات المتحدة قد تعود لمراجعة حسباتها.
ولكن عائلة اوباما لم تجد البيت الابيض خاليا من الحشرات السامة فالعنصرية التقليدية لم تتبخر في الولايات المتحدة مع قدوم القرن ال-21. لقد كان انتخاب اوباما خسارة فادحة للعنصرين، ولكنه لم يكن نصرا مطلقا وحاسما. ميزانية الدولة كانت مستعبدة لحروب في العراق وافغانستان شنها الرئيس السابق وكان على الرئيس الجديد التخلص من هذه الاعباء والحروب التي تثقل ميزانية الدولة ومكانتها الدولية بالاعباء. هذا من جهة ومن جهة اخرى كان اوباما قد تعهد لناخبية بسن قانون يضمن لكل مواطن اميركي مريض حق اللجوء الى عيادات الاطباء والمستشفيات دون خوف من كلفة العلاج الطبي (ومثل هذا القانون ساري المفعول في كافة دول اوروبا وفي اسرائيل منذ عشرات الاعوام) ومن هنا كان على اوباما سن هذا القانون وهذا أول ما قام به فعلا. ولكن هذا القانون الانساني الذي ازال عار ظلم الفقراء عن اغنى دول العالم أثار ضده مختلف الفئات التي وجدت فيه نقاط الضعف. مثلا قانون التأمين الصحي في الولايات المتحدة يمكن الحبالى من التخلص أجنة غير مرغوب فيها، وهذا بالنسبة للفئات المتمسكة بالمعتقدات الدينية يشكل ترخيص لقتل الأجنة وتشجيع لمزيد من الاباحية الجنسية برفع تكاليف التخلص من الحبل غير المرغوب فيه. هذا من جهة ومن جهة اخرى اضر القانون بالاطباء الذين يتحولون الى موظفين في حين انهم كانوا في كثير من الاحيان اصحاب او شركاء في عيادات تدر عليهم مبالغ طائلة.
وهكذا اجتمع تحالف من معارضي التخلص من الحبل، مع من أغضبهم فقدان مصادر ثروتهم، مع الفئات العنصرية المعادية للاجانب والسود والمسلمين (والمنحدرين من اصول اسلامية) وشكلوا معا تحالف هدد ادارة اوباما بالشلل، وحين حاول اوباما التقدم نحو مصالحة اسرائيلية فلسطينية (وبعد قيامه بزيارات لعواصم عربية واسلامية) واطلاق التصريحات المبشرة بحسن نواياه في اعادة الحسابات والسعي لحل مشكلة فلسطين كدليل لبرامج الولايات المتحدة بقيادته. وهنا تطوعت القوى المؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة للانضمام الى خصوم اوباها مما اجبره على التراجع والسكوت عن مخططاته الاصلية، وقبل ان يبلع ريقه ويخطط ما عليه ان يفعله قفزت مرة أخرى أزمة البنوك الاميركية والتي كادت تعصف باقتصاد الدولة مما اجبر الحكومة على انقاذ ما امكنها انقاذه بكلفة ما زالت الولايات المتحدة تلحس جراحها حتى اليوم!