الشغف ما بين الذكاء الاصطناعي والإنساني

تخيلوا لو أني جلست مع رجل بعمر أبي (رحمه الله) أحدثه عن الذكاء الاصطناعي وأن الفيديوهات التي يشاهدها بالفيسبوك أو التيكتوك قد تكون مفبركة ومبرمجة لتغيير رأيه والتأثير على وعيه ..لن يقتنع طبعا ، وتخيلوا أنني أحدث أبني عن الذكاء الاصطناعي وكيف سيكون رده وأقل ما يمكن أن يقول لي أنك تتحدث معي بتأثير الذكاء الاصطناعي.

ما بين أبي وإبني عوالم وانا عالق بين تلك العوالم ، أحاول أن أتعامل مع الذكاء الاصطناعي وأجده بلا إحساس ولا شغف فأتراجع ، ولكني بحاجة له كي الاحق التطورات وإلا أصبحت دقة قديمة حسب قول المصريين .

هل أنا متخلف أم إنساني ؟ هل أنا أستطيع مواكبة التكنولوجيا وأبقى شاعرًا بآلام الآخرين وأفراحهم ؟ لا أدري!! . هل الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يفسر حب العبد عنتره لعبلة ؟ وهل يمكن تفسير غيرة ولادة بنت المستكفي سيدة الجمال والأنوثة على ابن زيدون عندما عاتبته لأنه أحب جاريتها وقالت له :

"ولقد علمت بأنني بدر السما

لكن ولعت لشقوتي بالمشتري"

وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفهم الشوق ؟ وهل يستطيع تفسير بيت المتنبي بإحساس المشتاق أم بتفسير حرفي بلا إحساس :

أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ وَأَعجَبُ مِن ذا الهَجرِ وَالوَصلُ أَعجَبُ

ما بين أبي وإبني ليس صراع الأجيال المتعارف عليه، لأني من المفروض أن أكون حكمًا بهذا الصراع، ولكني لم أعد أستطيع أن أكون حكما لأني جزء من عالم أحاول أن أفهمه وأن أجاريه وأرى أن الغلبة فيه للمستقبل على الماضي ، وإن كان هذا الصراع فلسفيا على مر العصور فإنه أصبح الآن ماديا وجوهريا ومقررًا في الوعي والرؤيا والمصير، وقد يقرر الذكاء الاصطناعي مثلا إذا أعطيته معطياتك المادية من تحب ومن يلائم أهوائك ماديا ولكنه لن يفهم شغف العاشق بمحبوبته وشغف طالب العلم بتحقيق حلمه وشغف المسجون بحريته وشغف المحتل بطرد الاحتلال حتى لو جاع أو سجن أو قتل في طريق تحقيق مراده ، ولن يفهم القيمة المادية للتراب عندما يهتف الفلسطيني : "جليلنا مالك مثيل وترابك أغلى من الذهب" أو شعور أهل غزة بعد وقف إطلاق النار وكيف يمكن للفرح أن يتداخل مع الحزن ، والأمل مع الألم !

أنا من أعيش بين عالمين واختبرت كلاهما ، والحقيقة أنني أفضل الشغف لأنه المحرك للإبداع ، ولن يعلمني الذكاء الاصطناعي الشغف لأنه لا يفهمه، وسيعلمني تجارب الآخرين فقط، وتحليل معطياتهم وهذا لن يكفي للتطور الذي لا يتم إلا بالحلم بشيئ غير عادي والشغف لتحقيق هذا الحلم ، وأنا شخصيا أحب الحلم وأحب تحقيقه والانتقال لحلم آخر بعد تحقيقه .

لن يحرر الذكاء الاصطناعي وطنا إلا إذا تحدى أهله المعطيات الواقعية والتحليلات المبرمجة ، ولن يبتكر عالم شيئا جديدا إلا إذا فكر خارج الصندوق وكسر القواعد ..إنه الإبداع والشغف وهذا ما لن يعرفه الذكاء الاصطناعي فعذرا يا بني أفضل تفكير أبي وجدي لأنه إنساني وروحاني فأنا بالبداية والنهاية أنسان ولست آلة .