غن لي عن غزة

غَنِّ لي أُغنيةً عن حَبيبتِكَ الجريحة،

يا شَاعِرَ الليلِ الذي بَاتَ وحيدًا،

غَنِّ لِقَلبِكَ الذي أَضَحَى غريبًا،

في أَرضٍ لا تَعرفُ سِوى الحنينِ،

تُلمسُ فيها وَجعَ الروحِ الخفيِّ،

وَتبكِي زَهرًا تَناثرَ في الأنين.

غَنِّ لي عن بَيتٍ تَصدَّعَ لِيَكسِرَكَ،

وعَن خَيمَةٍ قُصِفَت لِتَنسِفَ أحلامَكَ،

وعَن تُربةٍ حُفِرتْ لتدفِنَكَ حيًا،

في أَرضٍ تَنبُتُ أَجِنةَ البطولة،

وتُزهرُ مِن كُلِّ جُرحٍ أغنيةٌ قاسيَةٌ.

غَنِّ لي عن بَحرٍ خَلا شَاطئُه مِنكَ،

تَرَكَ عليهِ أَحلامًا تَسبحُ في يقينِ الموجِ،

عن غَيمَةٍ مَرَّتْ بَينَ هَمسِ الكَونِ،

وكانَت تَحمِلُ وَطنًا مِن نورٍ في عَينِها،

حَلِمَتْ أن تَصيرَ سماءً لجيلٍ ضائعٍ.

غَنِّ لي عن طائِرتِكَ الوَرقِيَّةِ،

كيفَ طاردَتها الطَّائراتُ في مَهبِّ الزمانِ،

عن دَمعَةٍ لَم تَنزَلْ مِن عينِكَ،

لكنَّها سَكنتْ أعماقَ المَكانِ،

وأَصبَحتْ شَريانًا للذاكِرةِ.

غَنِّ لي عن بيتٍ صَار حُلمًا مَحظورًا،

عن تُرابٍ كانَ يُناديكَ باسْمِكَ،

عن خَيمَةٍ أَهدَتكَ طفولَتَكَ،

وضمَّتكَ كَأُمٍّ تَحميكَ مِن غَدرِ اللَّيلِ،

وَتنشُرُ عليكَ أَمنياتِ العُمرِ.

غَنِّ لي عن شَمسٍ غَابتْ وراءَ المَدى،

وعَن قَمرٍ أَضاءَ دروبَك ثمَّ أَفلَ،

غَنِّ لي عن نجمٍ طَوى نورَه،

وصَارَ ذكرى في سِجلِّ الضائِعينَ.

غَنِّ لي أُغنيةً عن كُلِّ ما فَقدتَ،

عن شَتاتٍ صَارَ كَفنًا لأحلامِكَ،

غَنِّ لنا يا شَاعِرَ الليلِ،

فالألمُ عندَك يُزهِرُ وَردًا،

والشِّعرُ يَصيرُ دِيوانًا للعَاشِقينَ.