9 تأثيرات عالمية ممكنة لوبأ الكورونا بقلم: بطرس منصور
اندلع الوبأ في وهان في الصين أولا، انتقل بعدها للصين ككل ومن ثم لبلاد الشرق الأقصى فإيطاليا فباقي اوروبا وباقي العالم.
بعد ان اتخذت دول الشرق الأقصى خطوات صارمة للحد من الوبأ وبدأت ترى نتائجها- انتشر تأثير الوبأ في إيطاليا ثم المانيا تلتهما فرنسا لتتبعهم إنجلترا بتأخير غير مبرّر بالخطوات ومن ثم أمريكا بتباطؤٍ مثير للعجب.
نظراً لكون وبأ الكوفيد 19غير معروف وتُخفى سماته ومعالمه عن الأطباء والعلماء فقد كانت الحرب ضده غير مسبوقة بشموليتها العالمية متسعة الارجاء. وراقبت كل دولة الخطوات الطبية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية في كل دولة لأجل المقارنة واستخلاص العبر من تجربة كل دولة أخرى.
يمكن الإشارة لاستنتاجات مرحلية منذ الآن بالرغم ان مصير الازمة لاحقاً قد يقود لتعديل او تغيير في هذه الاستنتاجات:
1- الازمة الحالية كشفت النِّقاب عن هشاشة الدول التي اتخذت مواقف انطوائية مثلا إنجلترا عند انسحابها من الاتحاد الأوروبي او أمريكا التي ركزت على نفسها أكثر من الماضي. الحرب ضد الكورونا تتطلب تعاوناً بين الدول المختلفة في تبادل خبرات وأجهزة طبية ومعدات صحية مثل الكمامات التي أرسلت من الصين لأمريكا وحتّى طواقم طبية مثل الأطباء من كوبا الذين سافروا الى إيطاليا لتقديم المساعدة. من الجهة الثانية – شاهدنا عودة للدولة القومية ولم ينجح مثلاً الاتحاد الأوروبي بتقديم حلول لدول ضمن اطاره (مثل إيطاليا واسبانيا) بينما نجحت دول أخرى (مثل المانيا) بمحاصرة الوبأ بقواها الذاتية بقيادة ملهمة للمستشارة ميركل.
بكلمات أخرى- صفعة للعولمة ولكن صفعة ايضاً للعزلة السياسية.
ستضطر دول العالم إيجاد الوصفة المثالية بين القطبين الذين اثبتا فشلهما.
2- استطاعت الدول التي تنتهج نظام حكم دكتاتوري (الصين مثلا) التحكم بشكل أفضل من الدول الديمقراطية. السرعة اللازمة لاتخاذ القرار دون الحاجة لمشاورات او بحث مطول والصرامة في تطبيقه ملائمة للأنظمة الدكتاتورية. كما وتميَّزَ المواطنون في تلك الأنظمة بالانضباط فهم معتادون على طاعة القوانين والحد من حريتهم دون سؤال. يلازم هذا النجاح في الدكتاتوريات، رغبة في الدول الديمقراطية ليس نسخ نفس النظام إنّما لوجود قائد قوي يتطلع الناس اليه ويثقوا في مصداقيته وبالتالي في تعليماته مثل مستشارة المانيا ميركيل او حاكم نيويورك اندرو كومو.
3- تبيّن ان الجهاز الصحي في الدول الرأسمالية المتطرفة -مثل أمريكا- لم يكن مُعداً في الشكل المطلوب للوبأ. فعملية الخصخصة في المستشفيات جعلت تركيزها على المجالات التي تهم أصحاب الأموال وما يدر عليهم مبالغ في الوقت الذي لا يتناسب هذا بالضرورة مع الحاجات العامة.
4- رغم الغنى الفاحش للدول الرأسمالية المتطرفة- لكنّها اهملت الطبقات الفقيرة التي تفتقر لتأمين صحي ممّا يمنع الاخيرة طبعا من الحصول على علاج صحي لائق. لقد برز الامر في الموقف الحالي الذي احتاجت فيه آلاف مؤلفة لعلاج طبي بينما راقبوا مواطنو العالم ما تفعله كل دولة وقارنوا بينها.
اظن ان الازمة الحالية ستؤثر في قضية سريان التامين الصحي للجميع في أمريكا وربما يكون لها اسقاطات على الانتخابات الرئاسية ودحر الرئيس الجمهوري ترامب لصالح منافسه بايدن. طبعاً يميل المواطنون لتأييد من يقف على رأس الدولة خلال الازمات (وبهذه الحالة هو ترامب) وان كان اداءه ضعيفاً. لكن الامر يختلف بعدما تنتهي الازمة وتطرح الأسئلة ويطالب الرئيس بالحساب.
5- خلقت هذه الازمة الحاجة في أن تراقب السلطة المواطنين لكشف مسار المصابين بفيروس الكورونا، حتّى يتم وضع كل من كان باتصال معهم في حجر صحي. تقوم الدّولة في ذلك عن طريق مراقبة التلفون الخليوي وطرق مقترحة أخرى (مثل اخذ الحرارة والضغط من إصبع المواطنين). وفعلا تم تطبيق ذلك في بلادنا على الأقل وحتى توكيل جهاز الامن بذلك. هذا الاجراء الاحتياطي الذي قبله الجمهور بتفهم اليوم قد يصبح اعتياديا بعد انتهاء الازمة ويؤدي لخرق حق المواطنين بالخصوصية.
6- ضرورة الحجر الصحي والقبوع في البيوت زادت التواصل عن طريق الانترنت بتطبيقات الزوم وغوغل وفيس تايم وسكايب وغيرها في المصالح والشركات، المدارس والجامعات (التي كانت تستخدمها بنطاق محدود سابقا). نظراً للظروف القاهرة فقد أقيمت عملياً تجارب واختبارات إنسانية ليست على نطاق مئات او الآف الناس حينما تقوم جامعة او هيئة اكاديمية بذلك. وانما أجريت على نطاق ملايين الناس في استخدام هذه الوسائل-الامر الذي لم يكن بالإمكان فعله سابقاً. واظن ان الخلاصة هي تأسيس استخدام هذه الوسائل الناجعة ما بعد الازمة. ستصبح وسائل الاتصال والتطبيقات وسيلة مساعدة رئيسية في الشركات والهيئات وحتى بالعلاقات البشرية بين الناس أكثر من ذي قبل. ان هذا يشكّل ثورة بالمفاهيم.
7- في الوقت الذي منح الغرب أهمية كبيرة للعلماء والمكتشفين، ساهمت الازمة العالمية الحالية في ابراز الأهمية القصوى لذلك (مثلا في اكتشاف المصل المضاد للفيروس المذكور) في كل انحاء العالم. وسيرى العالم ضخاً للميزانيات لمراكز الأبحاث العامة والجامعية في شتى المجالات بعد انتهاء الازمة. السؤال هو ان كانت الدول النامية ستنضم ولو بتأخر كبير للركب العلمي ام ستبقى تراوح في مكانها لتكون متلقفة او مستهلكة فقط ولكن ليس كمبادرة.
8- اعادت الازمة الحالية موضوع الحفاظ على البيئة لمركز الاحداث. الأوضاع البيئية التي سادت ولاية وهان في الصين كان لها ضلع أساسي في ظهور هذا الفيروس الذي انتقل من الحيوانات. إضافة لذلك فان الحجر الذي فرض على دول عديدة وفراغ الشوارع من السيارات والفضاء من الطائرات أعاد للبيئة عنفوانها، ولو قليلا. فظهر قاع البحار لصفاء الماء والهواء وخرجت الحيوانات من اوكارها.
نأمل ان ذلك يجعل الدول التي استخفت وتجاهلت أهمية قوانين ومواثيق البيئة العالمية تعدّل من سياستها.
9- برزت هشاشة الاقتصاد العالمي الذي تدهور خلال أسابيع معدودة فقط. الامر يهدد إمكانية تجديد فعاليات شركات ومصالح مختلفة بعد انتهاء الازمة وعودتها لمزاولة اعمالها. كما طفت الى السطح أسئلة حول إمكانيات الدول المختلفة تعويض مواطنيها على الخسارة الفادحة في حالة طوارئ ومنعهم من الإفلاس. كما طفت الى السطح أسئلة حول مقدرة الدول دعم المصالح لفترة محدودة لكي تتمكن من تجديد فعالياتها بانتهاء الازمة بأقل ضرر. هل سيؤثر ذلك على سياسات جباية الضرائب في الدول المختلفة؟ الحل السلم والأصح هو أن تتم جباية ضرائب اعلى من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لكي تزيد الدول مدخولها فيترك لها احتياط أكبر لحالات الطوارئ. سيفضي هذا الى تراجع معيّن في قلة المساواة في الدول المختلفة. اما جبايتها من الطبقات المتوسطة فسينهك الدولة اذ هم عماد الدولة العصرية وعمودها الفقري.