من يوميات مسافر 1 - بقلم: بطرس منصور
مررت بجهاز الفحص الامني ولم تطلق الصفارة، ففرحت كمن نجح في امتحان. توجهت لحزام الامتعة فوجدت اغراضي فاسرعت لحزام البنطال فهو الأهم ولففته بمهارة حول خصري. ثم اسرعت للقبض على جواز سفري وحاسوبي العزيز وهرولت تجاه منطقة التجارة الحرة التي تشبع تألقا ولمعانا. اني انسان حر لديه متسع من الوقت قبل الاقلاع وبحوزته حفنة دولارات تشتاق لتفارقني في دكاكين العطر الفواح. بعثرت بعضا منها في ارجاء الحوانيت وتركت ما اقتنيته في الحفظ والصون في ذات المطار ليستقبلني عند عودتي.
ازفت ساعة امتطاء الطائرة فوقفت لكي ادخل الطيارة حيثما شاءت الظروف فيما يشبه الدور ولكنه اشبه بشكل الثعبان المتعرج . قريبا ساهبط في اوروبا فمن هنا ساغير نظامي الداخلي بحيث يتلاءم مع الحياة هناك. الدور هناك هو خط هندسي مستقيم والنظام هو نهج نسير بحسبه وليس توصية غير ملزمة والنظافة لا بحتملها عقلي الشرقي الضعيف.
سرعان ما ارتفع ذلك الطير الاسطوري العملاق المسمى طائرة في الهواء ضاربا ضرب الحائط بقوانين الجاذبية. رفعت دعاء للحماية والحفظ على ايدي القدير. من يحمل هذه الطائرة ان لم يحملها حامل كل الاشياء بكامل قدرته.
كنت قد خططت ان استغل وقت السفر في الطائرة لعدة مهام. احضرت معي كتابا جلس دون حراك على رف مكتبي لأشهر طويلة ووجدتها فرصة سانحة لاقرأ
فيه بينما تقلنا الطائرة فوق الغيوم. كما خططت ان اقضي وقتا ضروريا في التأمل الصامت في حوادث الايام العاصفة التي سبقت سفري. تأخذنا الايام بمسؤولياتها وحركتها التي لا تهدأ فنعجز عن التأمل من بعيد من مصاف الطيور بالصورة الكبيرة. لا نستوعب ترابطها ببعض ولا نرى الغابة من كثرة انشغالنا بالشجرة التي نتعامل معها. شكرت ربي على تخلف شركة الطيران التي سافرت معها اذ لم تزود للمسافرين ارتباطا مجانيا مع الانترنت كما تفعل شركات اخرى كما سمعت من اترابي المكثرين من السفر الجوي. ان الانترنت ورغم كونه بركة لكن الافراط منه لعنة ويمنع مستخدمه من قضاء وقت هادئ للتأمل. كما وضعت النوم هدفا كأحد اهدافي للسفرة المثقلة المسكينة. فلقد امتازت ايامي دوما قبل السفر بضغط ورغبة ملحة غير مبررة لانجاز ما لم يتم انجازه لاسابيع طويلة. هل سانجح في تحقيق اهدافي لبضع السويعات حتى هبوطنا في العاصمة الاوروبية العريقة؟
توجهت نحو الكرسي المعد قرب الشباك كما افضله دوما. اكره ان يزعجني راكب آخر باضطراره الخروج للحمام او ليتمشى قليلا بعد طول الجلوس. الجلبة والضوضاء والهرج والمرج من سمات السفر من البلاد للخارج خلال الصيف. عائلات كاملة تنطلق لعطلتها السنوية والادرنلين يضخ لساعات اضافية مما ينتج صراخا وانفعالا وتعليقات سخيفة. فاقت عليهم جميعا احدى النساء واخذت تتصرف وكأن الطائرة ملك والدها او ربما من متاع زوجها الاصلع الذي لبس بنطالا قصيرا وسار خلفها مع ولدين كمن لا حول ولا قوة له-فاشفقت عليه. سعدت انهم جلسوا بعيدا عني في المقاعد الخلفية في آخر الطائرة. فقلت في سري ان موظفي شركة الطيران لا بد ابعدوها لكي يخففوا ضررها الوشيك.