قيمنا تتحكم بتوجهنا للسلطة المركزية والمحلية بقلم: بطرس منصور
أوضحت في المقال الأول ان سبب عدم ترجمة التضخم في عدد المتخرجين من الجامعات في بلادنا الى رقى جماعي في مستوى المعيشة في تجمعاتنا يرتبط بازدواجية في قيمنا. ومن هذا التشويش في القيم يُشتق عاملين هما الأسباب العملية لتعثر النتيجة السببية المفروضة وهما:
1- علاقتنا مع السلطة المركزية:
السلطة المركزية هي المسؤولة عن حفظ الأمان وإقرار النظام في تجمعاتنا وتزويد الميزانيات الكفيلة بتحسين البيئة وظروف الحياة. فالمواطنون يدفعون الضرائب ويتوجب على الحكومة بدورها ان تقوم بواجبها تجاه مواطنيها من كل الفئات. ان حقيقة الامر الواضحة هي ان الحكومة في بلادنا تميز ضد المواطنين العرب ولا تقوم بواجبها تجاههم وهذا يندرج ضمن تحييدهم وتهميشهم. ان الخلل عندنا في القيم يقود الى تعامل مشوش مع تلك السلطة. فنعتبر من يطالب السلطة بأن تقوم بواجبها بأنه متطرف او راديكالي او وطنجي او متمرد. بينما نقدم الاحترام لمن يطالب بفوائد شخصية له ولعائلته من السلطة المركزية مقابل خدمات يقدمها للسلطة. الخيط بين الاثنين يكون احيانا رفيع ويرتبط الفرق بينهما بالنوايا وبالإفادة الشخصية لمن يطالب وايضاً بماهية المقابل الذي يقدم مقابل أداء الدولة لواجبها.
يتوجب ان يزيد نضالنا لأجل المساواة وان يزداد الوعي الفردي لضرورة المطالبة به على كل الاصعدة. كما يتوجب علينا اجراء حوار مفتوح وصريح مع قادتنا السياسيين حول طرق النضال وجدواها. يحضرني كنموذج لموضوع في مثل هذا الحوار قضية إعلانات الإضراب التي تعلنها القيادة العربية صبح مساء كلما طرأ فعل تعسف او مكروه، وكأن اضراب العرب او عدمه يهم أحدا في السلطة.
2- علاقتنا مع السلطة المحلية:
رغم التقدم العلمي الفردي الحاصل غير ان القيادات المنتخبة في سلطاتنا المحلية ما زالت في كثير من الأحيان تُنتخَب على أساس مخترة وحمائل وطائفية. يستحيل رفع مستوى أداء السلطة المحلية اذا كانت القيادة المنتخَبة بائسة وتقليدية ومتخلفة. اما في الحالات التي يُنتخب قادة بلديات ومجالس محلية متعلمين (وقد زاد هذا فعلا مؤخراً)، غير ان تغيير الأنظمة ونهج العمل يتطلب وقتاً طويلا. وحتى يحدث ذلك- تطغى المصالح الشخصية والاعتبارات الانتخابية على القيادة فتمتنع عن فعل الأفضل واتخاذ الخطوات اللازمة لأجل رفع مستوى الخدمات والنجاعة. كما ان ضرورة إعادة انتخاب الرئيس في نظام تطغى عليه الفئوية، يضطره الا يتخذ خطوات حازمة وضرورية من فصل عمال مهملين او تعيين موظفين حسب الكفاءات ولكنه يتمسك بنظام المحسوبيات غير آبه باجراء مناقصات نزيهة او تعبيد شوارع حيث الحاجة (وانما حيث يرغب بكسب الأصوات) وغيرها. ان تغيير ذلك يحدث عندما يقوم المواطنون بمحاسبة الرئاسة المحلية حسب الإنجازات العامة ونظافة اليد وليس دعم تلك القيادة او عدمه لاعتبارات فئوية مهما كانت.
نظامنا القيمي الفردي والجماعي هو البوصلة التي تتحكم في حياتنا العامة وعلى الرغم من ازدياد الشهادات الجامعية في مجتمعنا ومعها مستوى الدخل الفردي غير ان الرقى العام المتمثل بالنظام والأمان والحياة العامة الراقية تبقى في تخلفها.
بكلمات أخرى- قيم نظافة اليد والاحترام وحب الغير ومصلحة الجميع تحكم في كيفية نهجنا بالتعامل مع السلطة المركزية والمحلية المسؤولين لحد كبير عن شأن رقى تجمعاتنا.