نظرة تاريخية الى موضوع تجنيد العرب في الجيش الأسرائيلي – عودة الى الخلف وأكثر - عطاالله منصور
الكاتب عطاالله منصور والذي يعمل في مجال الصحافة منذ 1954 يكتب عن موضوع التجنيد الألزامي.
لماذا لم يتم تجنيد العرب عام 1954 بعد ارسال اوامر التجنيد وموافقة الأغلبية؟
ماذا كانت دوافع الحزب الشيوعي لتأييد الخدمة العسكرية؟
هل التجنيد للخدمة المدنية في عام 2012 هو الحل؟
فوجىء العرب من سكان الجليل والمثلث صبيحة يوم قائظ في صيف العام 1954 (بالضبط يوم 27/7/1954) باعلان بارز نشر على صفحة الجريدة "اليوم" الحكومية جاء فيه "ان كل شخص يقع محل اقامته الدائم بمنطقة تخضع لحكم دولة اسرائيل والذي ولد ما بين المدة 1 تشري 5695 و 29 اذار 5797 (او 10 ايلول 1934 و- 12 مارس 1937) يجب عليه الامتثال للدعوة لخدمة الأمن. واختتم الأمر العسكري بالتهديد التالي: كل من يشمله الأمر ولا يمتثل له يعرض نفسه للعقاب بموجب المادة 16 (1) من قانون خدمة الامن لعام 1949. ووقع هذه الدعوة الجنرال اهرون نيف من "قسم قطاع القوة- شعبة التجنيد" في وزارة الدفاع.
واليوم تقوم مجموعة من الوزراء باعداد أمر جديد لتدعو احفاد من قامت وزارة الدفاع بدعوتهم قبل 58 عاما ينقصها اسبوع ونيف !
هل امتثل العرب يومها للأوامر؟
اكثر من 95% ممن طولبوا بالامتثال للأمر العسكري زاروا مكاتب الحاكم العسكري في الوقت المحدد وقام جنود بالتأكد من هويتهم، وقام طبيب عسكري ببعض الفحوصات الطبية لهم، وكانت الخدمة العسكرية يومها في غالبيتها مطاردة من اسموهم بالمتسللين وهم من ابناء فلسطين الذين لجأوا للعرب ودولهم المجاورة وهناك في لبنان وسوريا والاردن (وفي قطاع غزة!) كانوا يتضّورون جوعا على بعد ضربة عصا من كرومهم ومزارعهم التي وقعت غنيمة للمهاجرين اليهود من المصريين والعراقين والسورين واللبنانين والمغاربة.
واذكر جيدا ان رغبة الجيش لتجنيد العرب حيرتني واثارت فضولي كثيرا ومن هنا رحت ابحث عن خلفيات هذا القرار الحكومي فاكتشفت قصة حزينة: خبراء الشؤون العربية نصحوا الحكومة بدعوة الشباب العرب لأداء الخدمة العسكرية لأن حكومة اسرائيل توقعت ان نرفض الخدمة في الجيش وان نفضل الالتحاق بأخوتنا من اللاجئين وتخلصها منا. ولكننا لم نفعل ذلك ورفضنا الانضمام الى قوافل اللاجئين وقد لايفهم سلوكنا يومها من يجهل الأجواء التي عشناها واغلب الظن ان امتثالنا الحماسي للدعوة بالخدمة العسكرية يومها كان لأننا عشنا يومها مرحلة تمنينا فيها ان نثأر لخيانة زعماء الدول العربية لأبناء شعبنا الفلسطيني، وكانت دموعنا يومها لم تجف بعد وكانت جراحنا من جراء الخيانة تنزف دما، وكنا يومها نعيش وهما بأننا لن نواجه اخوتنا وابناء شعبنا بل دول الخيانة الكرتونية التي باعتنا.....
على كل حال : لم تطبق حكومة اسرائيل علينا قانون الخدمة الالزامية. لماذا؟
اغلب الظن ان حكومات اسرائيل المتعاقبة فضلت ابقاء الامر تطوعا لأنها فضلت انتقاء الافراد الذين تثق بهم.
ويذكر ان الحزب الشيوعي دعم انضمام العرب للخدمة العسكرية واعتبرها خطوة تمكن الحزب والعرب من المطالبة بحقوقهم غير منقوصة! وهذه القصة لا يذكرها الكثيرين الّا بعض خصوم الحزب الشيوعي الاسرائيلي الذين يعيبون على الحزب موقفا يدعم التجنيد وتشهد سجلات الكنيست بأن عضو الكنيست توفيق طوبي قدم اقتراحا بنزع الثقة عن الحكومة لأنها لم تطبق قانون خدمة العلم علي المواطنين العرب معتبرا ذلك تمييزا عنصريا وانتقاصا من حقوق المواطنين العرب !
واذكر جيدا انني التقيت صدفة مع المرحوم عضو الكنيست توفيق طوبي في حافلة ركاب في طريقها الى حيفا. لقد كان عدد الركاب صغيرا في تلك الحافلة وكان كلا منا وحيدا في مقعده مما دفعني الى محاولة التحدث اليه. كان المرحوم كعادته مهذبا. رحب بي حين طلبت منه الاذن بالانضمام اليه. حاولت ان اكون مهذبا قدر الامكان ولكن بأصرار من لا ينام قبل التوصل الى الحقيقة.
سألته عن دوافع الحزب الشيوعي لتأييد الخدمة العسكرية ؟
قال : انها قصة قديمة وانت تعرف لماذا قامت بها الحكومة.
قلت: ولكن سؤالي هو عن موقف الحزب الشيوعي!
وابتسم "ابو الياس" ابتسامته الساخرة التي لا اتذكره الاّ بها وقال: هل تستطيع ان تتصور كيف سيتصرف جيش اسرائيل حين يكون ربع مجنديه من العرب؟ هل تتصور وحدة عسكرية ربع عناصرها من العرب تقوم بمذبحة كفر قاسم؟
اليوم تصر حكومة بيبي - ليبرمان على ان يقوم احفادنا بالخدمة الامنية بحيث لا يحملون السلاح ولا يشكلون ضمانا لسكان كفرقاسم العائدين من العمل من الوحوش المفترسة من امثال قتلة شهداء كفر قاسم.
انهم يطالبون فلذات اكبادنا خداما بالسخرة، تماما كما فعلت تركيا في اخر ايامها حين قررت تجنيد المسيحين وعدم الاكتفاء برسوم "البدل" التي فرضوها عليهم طيلة مئات السنين قبل ذلك، وكان المجندون المسيحيون لخدمة العلم التركي يحفرون ويخدمون ويدفنون ..... ويموتون جوعا.