طيب الذكر .. طيبة الذكر- لذكرى معلمتي بقلم: سمر منصور – سماوي
قبل بضعة أيام وصل خبر وفاة معلمتي في الصف الثاني، المربيّة الفاضلة جدًا " ست انطوانيت"، ست انطونيت لاتي. فمرّ في ذهني شريط طفولتي، لأستذكر محبة هذه الانسانة الرائعة التي جعلت منّا أولادها وليس مجرد طلاب في صفها.. فقد علمتنا العربي مغلفًا بالحبّ، والحساب جمعت معه الحبّ، وحصص الدين شاهدناها في حياتها. ست أنطوانيت هي إحدى أبطال طفولتي، تلك هي طيبة الذكر التي تركت إرثًا لم ننساه حتى بعد أربعين عامًا منذ أن تركنا مقاعد صفها.. اتفق الجميع على أنها معجونة بالحب، وابتسامتها وضحكتها ملأت قلبنا بالفرح. اذكر أنها حين كانت "تغضب" من طالب، تأخذ مسطرة اللوح الكبيرة وتحملها كأنها تحمل البندقيّة وتقول له، مع ابتسامة: "سأقوم بأطلاق رصاصة" " بدي اطخك".. فنضحك جميعًا... هذه كانت قمّة غضبها. تعلمنا منها الكثير وغرست في اذهاننا مفاهيم كثيرة في اللغة والحساب.. والأمثال الشعبيّة التي كانت معلّقة على حائط الصف، والحان الترانيم التي كانت تعزفها في المدرسة.. والأهم تعلمنا منها الحبّ غير المشروط.
عند ممات مثل هذه الشخصيات بالذات نقول بملء الفم عنهم: طيّبة الذكر.
جعلتني وفاتها، وجنازتها التي حضرها أقرباء، أصدقاء وطلابها أيضًا، أفكر بالارث التي تركته تلك الوفيّة والارث الذي سنتركه نحن بعد عمر طويل..
كلنا يركض في معترك هذه الحياة، يركض وراء لقمة العيش، من أجل حياة منعمة، فتحدياتنا كبيرة واغراءات الحياة واسعة. "إن النجاح في حياتي الشخصية ودائرتي الضيقة فقط هو محور حياتي"، هذه هي الرسائل التي يقدمها المجتمع، والتي تسلب الرؤيا ألأوسع في أن أصنع فرقًا في حياة آخرين، أصنع فرقًا في المجتمع.
مهننا مختلفة ومتنوّعة، لكنّ حاجات المجتمع نفسها. لا أظنّ أنه يستطيع أي شخص الإدّعاء أنه لا يمكنه المساهمة بشيء، فأن تظهر الحبّ لمن تلتقي بهم، أن تساعد من يحتاج، أن تساهم في بناء مجتمع أفضل، لا يحتاج منك الكثير. حتى أنك خلال عملك، تستطيع أن تقدم قيمة إضافية، لا يتوقعها منك مكان العمل او زملاؤك، مجهود صغير إضافي، يمكن أن يصنع فرقًا. أفلا يستطيع أن يذهب الموظف والعامل وصاحب العمل، ليعمل حقًا لا ليداوم فقط؟
فالمعلم يظهر الحبّ، الاخلاص والصبر لطلابه، والنجّار يتعامل بصدق ودقّة بالعمل وصاحب الأعمال الكرم والعطاء للمجتمع والطبيب يرى الانسان أولاً قبل انهاء مهمة العلاج، ويعطي من أخلاقه، ليس بالضرورة من وقته، أكثر ممن يتوقع منه حوله.
يحتفل العالم منذ عام 2012، في العشرين من آذار من كل عام بيوم السعادة العالمي وقد استدرجني هذا العام التقرير الذي تم نشره في هذا اليوم، الذي يُدرج بحسب معايير معيّنة، الدول الأكثر سعادة حتى الأقل منها. وقد قمت بفحص طريقة المعايير والحساب لتدريج الدول، فلم يكن دخل الفرد هو المعيار الوحيد، بل الحياة الصحيّة للمواطن، بأن يكون له من يستطيع أن يعتمد عليه، الكرم، الحريّة، الثقة وعدم وجود الفساد في الأعمال والحكومات حيث يكون الانسان وحاله مركز أيّ مخطط. وقد تبوأت النرويج ألمرتبة الأولى بين 155 دولة. كما رأينا، فإن مقياس السعادة للمجتمع، هو إعطاء قيمة للفرد ووضع سعادته وحالته في المركز. فهل لنا دور في أن نجلب السعادة لغيرنا ونعطي قيمة اضافيّة للمجتمع؟
كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في المجتمع. نعم تستطيع أن تكون أنت التغيير.. ليقال عنك في المستقبل البعيد بملء الفم: طيّب الذكر كما قلنا عن معلمتي الفاضلة، فإن ماتت تتكلم بعد!