مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

من حلب إلى أثينا - رحلة أصدقائي - بقلم سمر منصور- سماوي

5.00 - (1 تقييمات)
نشرت
2175
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

لم يكن من السهل عليّ أن أبدأ هذا المقال لما يُثير في داخلي من مشاعر مختلطة ما بين الحبّ والرحمة والألم. لا أعرف كيف أبدأ، لكن حال البشر في بلادنا من سيئ إلى أسوأ، ليجعل حاضر طفل كان أولى له أن يلعب مع أترابه في بلده، ويدرس في مدارس يفهمه فيها معلموه وزملاؤه، يتشرّد وينسى شكل جدّه وخالته وعمّه. هذه قصة الملايين الذين تشردوا، لأن الحرب شرّدتهم والشرّ شتّت أفراد العائلة الواحدة عن بعضها البعض، لنصل لواقع مرّ يعيشه الملايين.

في رحلاتنا المتكرّرة في ألاردن، تركيا واليونان منذ ثلاث سنوات، التقينا بآلاف ممن جارت عليهم الحرب فتشردوا. منهم من التقينا بهم لمرّة واحدة، وآخرون التقينا بهم في كلّ مرة. قصصهم متشابهة، من صدمة الحرب، إلى صدمة ألم الغربة والبرد إلى صدمة البحر من أجل العبورالى مستقبل أفضل، لكنهم ما زالوا يبحثون.

رستم وزوزان وثلاثة أطفالهم، مثال لعائلة تبحث عن مستقبل مُشرق. ترعرع رستم وزوزان في منطقة حلب، تزوجا ورزقا بأولادهما الثلاثة، صبيين وبنت.  درس رستم الفندقة وعمل شيف (طبّاخ) وكان ناجحًا في عمله، تألّق وتعوّد على العمل المضني والتفاني من أجل بناء مستقبل أبنائه وعائلته.

اضطر رستم أن يترك بيته، مجتمعه وعائلته الموسّعة، لأنّ الحرب لا تميّز بين المسالم والمحارب، بين الأب المجاهد من أجل أولاده وبين المجاهد في الحرب ليقتل من يختلف عنه. ترك سوريا الى شمال العراق، ليعمل هناك وينجح أيضًا في عمله، إلى أن وصل خطر الحرب الى بيته الجديد، فنزع عائلته مرّة أخرى بعد أن كانوا قد بدأوا بالاستقرار، واستمروا في رحلة الاغتراب، ليصلوا تركيا، حيث بقوا 27 يومًا في قاعدة عسكرية استُخدموا فيها كدروع بشريّة. لم يكن سهلاً أن يرى رستم وزوزان إلى أيّ حال وصلت حالتهم، وبالذات ما آل إليه حال فلذات أكبادهم... فمن أجل استخدام الحمام فقط كان عليهم الانتظار لساعات، ساعات من الذلّ من أجل قضاء حاجات أساسيّة في حياتهم اليومية. كانت تجربة قاسيّة مُذلة، وهذه قصّة الملايين الذي تهجّروا رغمًا عنهم.. فمن حرب الى ذلّ.. فمعاناة.

بعد هذه التجربة الأليمة، قرر رستم أن يصحب عائلته الى أوروبا عن طريق اليونان، وكغيرهم، كان لهم المنفذ الوحيد " البلم – كما يسمونها" - قوارب الموت.. فكيف لقوارب الموت أن تجلب الحياة. لكن قسوة الحياة، جعلتهم يتشبثون في لا شيء وتحمّل خطورة السفر في قوارب تسع أقلّ مما يركبها من مسافرين.. في أجواء صاخبة استقلّ عشرات الألاف هذه القوارب. فمنهم من انقلب القارب بهم ومنهم من نجا بمعجزة ومنهم من وصل بعد أن فقد كل أمتعته بالبحر وهناك أيضًا من فقد حياته أو حياة من يحبّ.

لكنّ بصيص الأمل، في قوارب الموت، التي من المفروض أن تنقل اللاجئين من الموت الى الحياة، من تركيا الى اليونان ومنها الى أماكن أخرى في أوروبا، كانت الحلّ الوحيد أمام رستم، وهكذا كان. ابتدأت رحلة العذاب الجديدة في بحر هائج، قرّر جزء من المسافرين الانسحاب في بداية الرحلة... لكنّ رستم ومعه عائلته وشقيقته وأولادها وثلاثون شخصًا آخرون بينهم 18 طفلًا وطفلة، قرّروا المجازفة، لأنّ ليس لهم ما يخسرون، لعلّهم يصلون برّ الأمان من أجل مستقبل جديد. وصولهم إلى الشواطئ التركيّة دون أن تقبض عليهم الشرطة كان مجازفة بحد ذاتها، لذا التردّد أو التراجع لم يكونا خيارًا، حتّى لو رأوا الخطر بأعينهم. إن عمليّة الهروب والنجاة تحدث عن طريق مهرّبين يحصلون على مبالغ تتراوح ما بين 1200- 600 دولارًا للبالغ، لا يشمل ثمن سترة النجاة ، فكيف لك أن تتتراجع وأنت لا حيلة لك. فالتسعيرة تتغير بحسب النقطة التي تخرج  منها!

استغرقت رحلة رستم مدة 3 ساعات ونصف، وسط رعب الأطفال والكبار معهم، لكن ما باليد حيلة، هذا هو الطريق الوحيد لهم. فشقيقته وأولادها يريدون اللحاق بزوجها في المانيا، ورستم، يريد الالتحاق بقطار النجاة من قسوة الحرب وذل الغربة عليه وعلى أولاده. لم تكن تجربة يمكنهم نسيانها. فوصولهم الى العاصمة أثينا كان مؤلمًا، وقبل ذلك ولدى وصولهم اليونان، استقبلوا في مخيّم عانوا فيه الأمرّين من سوء الطعام وتلوّث المياه، لأنه كما يتضح هناك شركات تتعاقد معها الأمم المتحدة تستغل مصائب قوم لمصالحها. لكنّ وصول اليونان، أعطى بصيصًا من الأمل، رغم أنّ بصمة هذه المعاناة ما زالت تنغص نومهم إلى يومنا هذا... لأنهم اليوم وبعد عام من وصولهم اليونان، هم لا يزالون يبحثون عن استقرار وعيش كريم، وما زال أمل البدايّة الجديدة في أفق بعيد.

فيقول رستم: " لقد تعوّدت على العمل، على أن أعتاش من عرق جبيني، أبحث عن عمل ليل نهار، أريد الأفضل لأولادي، ففي برنامج إعادة التوطين تمّ اختيار رومانيا لأقيم فيها، لكنني رفضت. فأنا أريد مكانًا أستطيع أن أتقدم به، أعمل وأعيل أولادي ليحصلوا على الأفضل، لا أن أبقى عالة على مجتمع يبحث مواطنوه أنفسهم عن فرص عمل. يكفيني تشرّد! لذا، وبما أنني رفضت الذهاب إلى رومانيا، ما زال المسؤولون يماطلون في موضوع الإقامة لي ولعائلتي. لا أريد أي شيء غير أن أعمل وأضمن مستقبلًا زاهرًا لأولادي الثلاثة. فابنتي البكر، ابنة العشرة أعوام ما زالت تعاني من صدمة التغيّرات التي جرت، التنقّل بين مدارس متعدّدة، التواصل بلغات مختلفة وخوض تجارب معاملات قاسيّة، كلّ ذلك أدّى بها إلى أن تعاني من الانطواء في المدرسة اليونانيّة رغم أن معاملة الادارة لها حسنة، لكن آلمعاناة التي مرّت بها لذنب لم تقترفه، ما زال تأثيره في قلبها ويؤثر في هذه المرحلة على تعليمها.  أشكر من يساعدني ويدعمني من خارج اليونان ومن اليونانيين أنفسهم الذين تفهموا وضعي وأظهروا لنا المحبة، لكنني أريد فرصة عمل وحياة مسالمة وأجواء مُحبة لي ولعائلتي ولكل من يحتاج بصدق. أسكن اليوم في بيت تملأه الرطوبة والبرد القارس في الشتاء، مما جعل أبنائي مرضى معظم أيام الشتاء." أنهى رستم كلامه مع تنهّد قلب متألم صادق: "لا أريد أي شيء غير أن أضمن مستقبل أولادي وما زلت أنتظر."

كلما زرنا أثينا وقمنا بنشاط لمساعدة من جار عليهم بطش البشر من اللّاجئين من جنسيّات مختلفة، لا يتردد رستم وزوزان رغم آلامهم بالتجنّد للمساعدة. فهو يستخدم مهنته كشيف في طبخ الطعام للمخيّمات التي نزورها وتوزيع المؤن لمن يحتاج. قصتي روت حكاية رستم وعائلته فقط لكنها أيضًا قصة كثيرين، ومنهم أيضًا من انضم لقافلة المتألمين الذين أيضًا لا يترددون  في مساعدة غيرهم وقت الحاجة، فانضموا لفريقنا في الخدمة هناك، رغم أنهم هم ذاتهم يحتاجون الدعم والرعاية.

لقد زرنا رستم عدة مرات في بيّته، في المرّة آخيرة، أصرّت زوزان زوجته أن تجهّز وليمة لنا جميعًا، فكان طعمها أطيب من أيّ وليمة أخرى، لأنها صُنعت بأيدٍ مُحبة، من قلب شاكر ومن إعوازهم أعطوا.

هذا القلب الشاكر، يستحق أكثر، هذا القلب المُعطي يستحق الأفضل.

هل من سامع؟ هل من مُعطٍ يستطيع أن يجلب الأمل إلى قلوب أصدقائي؟ تانيا وروني وريبر، أولاد رستم وزوزان، يستحقون حياة أفضل... مثل غيرهم من آلاف المشرّدين، هل نأخذ دورنا ونستثمر بحياتهم ليروا محبّة في وسط عالم مظلم مليء بالكراهية؟ هل من سامع لأصوات هؤلاء؟ 

كفى سفك دماء، كفى تشردًا.  

للمساعدة والاستفسار يمكن التواصل معنا على : helpallrefugees@gmail.com

 

حين كان القارب وسيلة متعة - قبل التشرد
حين كان القارب وسيلة متعة - قبل التشرد
عيد ميلاد روني قبل التشرد
عيد ميلاد روني قبل التشرد
العائلة قبل التشرد
العائلة قبل التشرد
تانيا حديثًا - أطيب ابتسامة
تانيا حديثًا - أطيب ابتسامة
اثناء الوليمة في بيت رستم
اثناء الوليمة في بيت رستم
الاولاد في المخيم في تركيا
الاولاد في المخيم في تركيا
رستم يطبخ من أجل اللاجئين الاخرين
رستم يطبخ من أجل اللاجئين الاخرين
المخيم في تركيا
المخيم في تركيا
الاولاد يأكلون في مخيم تركيا
الاولاد يأكلون في مخيم تركيا
في قارب البلم
في قارب البلم
في القارب
في القارب
ابنتي مع الاولاد
ابنتي مع الاولاد
2175
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

تصنيف: 
جاري التحميل