هل يُفسد للودّ قضيّة؟ بقلم: سمر منصور - سماوي
في زيارتي قبل حوالي شهر الى دُبي وأبو ظبي في الإمارات العربية، رأيت عن كثب بلاد تتميّز بالتعدديّة الثقافيّة.. ترى المحلات التجاريّة الامريكيّة والاوروبيّة والشرق اوسطيّة.. ونظافة عامة وطبيعة جميلة. ترى المُنقبة والمحجّبة بين لابسات الموضة والألبسة اليوميّة التي اعتدنا عليها في بلادنا.. ولا أحد يأبه أو يتفوّه بكلمة ضد هذا وذاك، أو ينظر نظرة استعلاء أو استفزاز إتجاه الآخر.
عجبت، لكنني فرحت أن هذا يحدث في بلد عربي.. ليس مثاليًّا، لكنه جميل..كيف يمكن أن يعيش الناس، باختلاف عقائدهم وعاداتهم ولباسهم وشكلهم وشكل عيونهم ولونهم وفي بلد واحد.
فكرت بما يحدث وبحثت عن سبب هذا الانفتاح على الآخر، ففهمت أنّ هناك قوانين صارمة تمنع التعدّي على الآخر ولأنّ غالبيّة السكان هم ليسوا مواطنين، بل وافدين، فهم مضطرون أن يحافظوا على القوانين، لذا يعيشون بأمان ويقومون بواجبهم في عملهم والمجتمع الذي يعيشون فيه.
هذا الواقع اللّافت، جعلني أفكر، اذا كانت القوانين التي تُفرض علينا تستطيع أن تغيّر أسلوب حياة وتفكير، ألا يستطيع الانسان المتحضر أن يضع القوانين لنفسه، ويضبط نفسه ليحترم الآخر، رغم أنّه يختلف عنه؟
هل تجربة نجاح احترام الآخر وخصوصيته، لا يمكنها أن تطبق في مجتمعنا المحلي وفي كل مكان. فكما قالت لي صديقة خلال الزيارة تلك في دُبي، ما أجمل أن يتربى أولادنا بعدم تمييز اختلاف الشكل بين الناس، فعيون شعوب شرق الأقصى لا يلفتون نظر اطفالنا، والشعوب السمراء لا تجعلهم يشيرون اليهم باليد.. بل ينظرون الى خليقة الله بأنها واحد، رغم اختلافاتها.
لسنا بحاجة لمجتمع متجانس، ليكون لنا فكر واحد. بل القوة أن نكون مجتمع متعدد الثقافات او الأفكار والآراء، لكننا نقبل الآخر نحترمه ولا نتعدّى على حريته.
ليس لي أدنى شك، أن الاختلاف بيني وبين جاري، يمكنه أن يُثري فكري وثقافتي، ويفتح آفاقي لشبابيك أوسع ونظرة أشمل لمفاهيم كثيرة، غير ما تجلبه الثقافات من تجربة طعام ولباس مختلف وكثيرًا ما نحبها ونتبناها من غير تردد.
رأينا وواكبنا مؤخرًا من على صفحات التواصل الاجتماعي، اختلافات بالرأي بعدة أمور، منها السياسيّة ومنها الفنيّة ومنها الاجتماعيّة والتربويّة. فعلى سبيل المثال، فإن مسابقة فنيّة من الطراز الأول، أراب ايدول، والتي هدفها المُعلن الرئيسي، تشجيع المواهب في الوطن العربي، أمست سبب نقاش حاد، حتى الديني منه.. أو حتى أنّ قراري بأن أشاهد مثل هذه البرامج أم لا، أصبح من شأن الجميع.
طبعًا، النقاش الحضاري ومشاركة الأفكار هو أمر مرغوب ومطلوب، لكنّ عداوة الناس لبعضها ظهرت لمجرد أنني اختلفت معك بالرأي، والاستهزاء برأيي ونعتي بنعوت غير لائقة، لمجرد أنني اختلف عنك، هنا تكمن لُبّ المشكلة.
نحن نعيش في مجتمع له عاداته وتقاليده، لكنها أحيانا كثيرة ومتنوعة، تختلف بين بلد وآخر. من أجل أن نستطيع العيش المشترك، علينا أن نعي ونفهم خلفيّات الآخر، لنفهم تصرفه ونهتم بما يهتم.. لنستطيع أن نشاركهم أفراحهم وأتعابهم لنصل قلوبهم ونتواصل معهم، رغم اختلافاتنا.
نعم، لديّ الحريّة المطلقة أن أعجب بأمير دندن.. أو أن لا أعجب، أن أعجب بيعقوب شاهين، أم لا ، أن تعجبتني المعلمة جيهان جابر بأسلوبها بأغنية "چيشم چيشم "..أو لا تعجبتني، أن تعجبتني مشاهدة أراب ايدول ام لا.. أو رأيي في قضايا سياسية مثل انتخابات الولايات المتحدة أو تجنيد العرب أو الخدمة المدنيّة ( رغم حساسيتها).
لكنني، لست حرًّا أن لا احترم غيري لأن رأيه مختلف او أن تتعدّى حريتي على حريّة غيري أو اعتبر الآخر أقلّ مني وفيصبح الاستهزاء لغتي..
انا لست أفضل من أحد، بل الآخر هو أيضًا خليقة الله، يثري معرفتي، يمكنه محاولة إقناعي بفكره و إيمانه، إن رفضت وتمسكت بما لديّ، يبقى الاحترام والعيش المشترك واجب حضاري.. لا غنىً عنه.