الموضة في التعامل بقلم: سمر منصور - سماوي
كنت أجلس قبالة البيت، وفجأة سمعت صوت اصطدام سيارة وبما أن سيارتي قد ركنتها بقرب البيت، قرّرت أن أتأكد مما حدث. خرجت فرأيت سيارة تقف بجانب سيارتي، وعليها علامة اصطدام حيث جلست صبيّة في السيارة لربما أكون بعمر والدتها، فقلت لها هل رأيت ماذا حدث؟ لم تفهم .فقلت لها أخرجي لتري، فتركت السيارة لترى الضرر في سيارتها وسيارتي، فبدأت بمحاججتي انني لربما لست صاحبة السيارة، فقلت لها ما الفرق؟ بكل حال هذه سيارتي وسأذهب لأجلب مفاتيحها لنتبادل تفاصيل السيارتين..ذهبتُ وحين رجعتُ لم أجدها!
لو كنت قد فقدت ثقتي بالناس، لما كنت سأذهب قبل أن أقوم تصوّير السيارة، لكن الحقيقة التي علينا مواجهها، أنه أصبح من السهل علينا أن نطعن، نهرب من المسؤولية ونتعامل مع الكبيروالآخر بعدم احترام. وقد كانت لي جولة نوستالجيا لطفولتي، حيث تعوّدنا على أن نستخدم تعابير، لا يعرفها أو لا يستخدمها أولادنا اليوم.
ففي بيتنا، لم نكن نستطيع أن نخلد للنوم قبل أن نقول لوالدينا " تصبحون على خير"... وان لم نفعل ذلك نتوقع التوبيخ في الصباح وطبعًا علينا أن نقول بمليء الفم: "صباح الخير". لم يكن من اللائق أن تمر بجانب اي شخص، حتى لو لم تعرفه، يقوم بعمل جسماني بشكل خاص من غير أن تدعو له بالعافية. وإن ظن أحد انك تكلّمه، عليك أن تقول له :" ولا الغنى عنك فأنا أتكلم مع فلان" وليس " مش عم بحكي معك"!!!. حتى أن تجيب من يناديك ب" شو"... كانت قمة من قلة الحياء. طبعًا لا يمكنني أن لا أذكر الكلمات والتصرفات البديهية، التي أصبحت أقل بديهية، مثل شكرًا أو لو سمحت الخ.. وأن أعتذر إن اخطأت ولا أتعامل بعنجهية تمنعني تحمّل المسؤولية كما فعلت الفتاة سائقة السيارة.
حدثتني صديقة أنها حين أرادت أن تتكلم بالهاتف، استخدمت كلمة: "لطفًا هل يمكن أن..." ضحك عليها المستمعون! فهل أيضًا فقدنا قيمًا أساسية واعتبرنا من يأبه بها، موضة قديمة فنضحك عليه؟
نقف اليوم أمام جيل قد يفقد من المفاهيم التي تعلمناها، لأننا نواجه تحديات كثيرة من حولنا، فنحن نعيش في مجتمع يرى "الطبيعية" بالتصرف وجهًا من وجوه التقدم.. وعدم التكلّف بالكلام و"تطنيش" الناس تلائم من يرى الموضة والصرعة السبيل في مواجهة الحياة والطعن بالناس والاستهزاء بهم هو ضربًا من ضروب الموضة، كما يفعل الكثير من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يحوّلون قضايا، فكرة أو حتى ابداع الى مهزلة يتسلون بها.
لا أرى طريقًا آخر غير أن نقصد ما نقول ونقول ما نقصد ونعمل بما نقول حين نعتذر، نتمنى الخير للناس أونعد الآخرين بأن ننجز شيئًا لصالحهم. فيكون مسلكنا لائقًا وبحسب اخلاقنا وليس كما يتوقع من حولنا أو كما فعل بنا الناس.. فليست من شيم الرجولة أو الانوثة أن نكذب ونتظاهر بالغباء، نستهزء أو نغش ونهرب من المسؤولية فالاعتذار قوة وليس ضعفًا.
لا أدعو هنا للمراءاة وكثرة الكلام الأجوف الذي لا قيمة له ولا نقصده، فأنا لا أرى المبالغة في المجاملات هي الطريق الصحيح للتعامل مع الناس، فعلى سبيل المثال،لا نكذب حين نواجه بخطأ قمنا به أو مثلاً نقوم بدعوة كل من يمر بالطريق لشرب القهوة فحين يستجيب نتمتم " ماذا الذي جعله يدخل، لا وقت لدي"!! أو نضغط على ضيونا بالجلوس فنقول لهم: "ما زال باكرًا" ونحن لا نستطيع أن نفتح أعيننا.. وإن تأخرنا عن العمل في الصباح لن يشفع لنا أن ضيوفًا قد زارونا.
فإن كنت تبتسم الآن، لواقع طرحته، هيا بنا معًا نعلّم جيل جديد، لا أن يسعى للنجاح فقط من غير أن ينظر للناس حوله، بل أن يرافقه الصدق واحترام الآخر والشعور في المسؤولية بكل ما نقوم أو نقول.