مَوعدٌ مع الماضي - قصة قصيرة بقلمي
ها هو الحزنُ يتسللُ إلى قلبي مرة أخرى كما تسلَّل في سنينَ خلت عندما توفي ابني الكبير، هكذا قالت زينب بعينين دامعتين وسط سكون الليل الصامت.
فقبل سنينَ وبالتحديد عشرِ سنواتٍ ع...ندما كنا أنا وزوجي وأولادي نركب سيارة اجرة في شارع رقم (47) جُنَّ جُنون السائق وبدأ بزيادة السرعة وكأنه في سباق سيارات وهُنا رجته ابنتي ياسمين أن يتوقف عن هذا العمل العبثي الذي سيودي بحياتنا جميعًا بمن فيهم السائق. إلا أنَّه رمى الكلام والرجاء اللّذين خرجا من قلب حزين وخائف تملكه فتاة تبلغ الثامنة من العمر عرض الحائط!
وتنهارُ على وجنتي زينب دموعٌ حارقةٌ مليئة بالألم والمعاناة لم يفارقانها طيلة سنوات، من اللحظة الأولى للحادثِ وحتى الآن.
لقد توفيَ ابني الكبير سامي الفرحة الاولى لهذه العائلة مخلفاً وراءه والدانِ ثاكلانِ يعيشان على الذكرياتِ الجميلة التي مرت واختا باقية على ذكراه.
ها هو الألم يعتصرُ قلبي في الذكرى العاشرة لوفاته فكل سنة يزداد الحزنُ أكثر فأكثر لفراقه ومغيبه عني فأنا اشعر بالوحدة.
لقد تجمعت جميع المشاعر الإنسانية طيلة هذه المدة.. لقد كنت أحس بالطمأنينةِ بوجودهِ وبالحنان والأمان يغمراني طيلة وجوده معي.
وفجأة قدم طيف من بعيد "إنّه سامي!" تنهدت الأم وبدا وجهُهُ مُشرقًا كالنُّور كما عادته.
تقدم من أمه لمس وجهها بحنيته المعتادة مهوِّنا عليها ألمها وحزنها اللَّذين يرافقانها دوما قائلاً: أمي لا تحزني هذا قدري وتلك مشيئة الله التي ليس لنا شأن فيها ولا يستطيع أحد أن يُغيّر من الأمر شيئًا.
وبقيت رائحته ولمسته تحيط بالمرأة من كل جانب وشوهدت وهي تخرج من المقبرة بخمارها الأسود ووجهها الشاحب وصوت طيف ابنها يودعها قائلاً: وداعًا يا أمي وداعًا والى لقاءٍ قريبٍ.