مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

الاغتيال الإداري للكفاءات بقلم عزالدين مبارك

0.00 - (0 تقييمات)
نشرت
508
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

الاغتيال الإداري للكفاءات بقلم عزالدين مبارك

الاغتيال الإداري للكفاءات
بقلم عزالدين مبارك

تزخر الإدارة التونسية بالكفاءات الفادرة على النهوض بالعمل الإداري وتطويره إلى أبعد الحدود لكنها مغيبة عن الفعل الحقيقي ومجمدة بفعل تغول منظومة المحسوبية والولاءات ومدفونة في الدهاليز المظلمة لا ترى النور ولا تطلع على الملفات ولا تشارك في تحمل المسؤولية وذلك لأنها لا تستطيع الانخراط في الدسائس والفساد ولا تريد الانخراط في الأعمال القذرة مقابل المناصب والترقيات والخطط الوظيفية والتمتع بالامتيازات المجزية.
فالقوانين الأساسية للمؤسسات العمومية والخاصة تسمح بالصعود الصاروخي لعديمي الكفاءة والمعرفة والشهائد العلمية مثل الترقية عن طريق المناظرات الداخلية شبه الصورية والاختيار حسب مبدأ العلاقات والتدخلات والولاءات وكذلك بتطبيق بند المعادلة بين الشهادة الجامعية والترقية الداخلية الإدارية وكأن الإدارة أصبحت تمنح الشهائد بصفة مقنعة وقد استوى حسب هذا التمشي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
وبما أن الكفاءات لا تستطيع أن تتنازل بسهولة عن مبادئها واختياراتها فهي عرضة لمخاطر التهميش والاغتيال الإداري أكثر من غيرها من الموظفين العاديين فيصعد للقمة في غالب الأحيان النكرات وأصحاب الولاءات والتوصيات والمعرفة السطحية والانتهازيون لأنه من السهل على هؤلاء التأقلم مع المنظومة والتفاعل بإيجابية مع كل ما يطلب منهم دون تردد وكأنه رد جميل لأولياء نعمتهم.
ولهذا فقد ظهر لنا ما كان مخفيا بعد الثورة من فساد إداري مهول يفوق الخيال فبن على يعطى الأوامر الشفاهية ومنظومة الفساد في الإدارة تنفذ بحرفية كبيرة عن طريق موظفين في مقدورهم الإمضاء على أوراق فارغة ويستطيعون أن يقنعوك أن الديك حمارا والنعامة فيل إفريقي.
والغريب أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة تطلق كل مرة الشعارات الرنانة لمحاربة الفساد الإداري والمؤسساتي حتى وصل بإحدى الحكومات أن بعثت كتابة دولة للاهتمام بهذا المشكل المساهم في هدر المال العام والتخلف وبطئ الاصلاحات وتعدد المظالم لكن سريعا ما تم تجاهل هذا الأمر والرضوخ للأمر الواقع ولهذا فقد تطور الفساد الإداري بنسق سريع في غياب المحاسبة والضرب بيد من حديد على المنتفعين والمساهمين في هذه المنظومة.
فلا سبيل لتطوير الإدارة التونسية دون وجود كفاءات حقيقية تخلق الأفكار وتستنبط الحلول وتحقق انجازات فعلية على أرض الواقع ولا ولاء لها إلا للمؤسسة وليس للأشخاص والأحزاب والمنظمات وهي موجودة لكن مع الأسف مجمدة ومغيبة وقد تم اغتيالها بالحيلة وطمس وجودها من قبل أشباه الكفاءات المستندة على الولاءات وقانون المحسوبية واللصوصية الإدارية.
وللإدارة التي يعشش فيها الفساد طرق جهنمية وحيل شيطانية لتجميد الكفاءات واغتيالها مثل عدم التمتع بالخطط الوظيفية والنقل التعسفية وحجب المعلومات والملفات وأدوات العمل والمراقبة المستمرة وقد يصل الأمر لتلفيق التهم الباطلة وسرقة المستندات والاعتداء الجسدي واللفظي والاستفزاز المجاني وذلك لتحطيم المعنويات والدفع بالمغادرة القسرية والتخلي عن الحقوق المكتسبة.
وقد رأينا بعض الكفاءات التي كانت منبوذة في إدارتنا الموقرة تحولت إلى كفاءات عالمية لا يشق لها غبار عندما تمكنت من عمل بالخارج وخاصة في الدول المتقدمة كأمريكا وكندا وأوروبا فقد ساعدتها البيئة النظيفة والخالية من الفساد الإداري بأن تتطور وتظهر ما لها من قدرة على العمل المثمر وقد صدق قول صاحب جائزة نوبل في الكيمياء المصري أحمد زويل عندما قال : '' في الغرب يساعدون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل''.
فمنظومة الفساد واللصوصية والمحسوبية المعششة في عقولنا لا يمكن أن تحقق غير الفشل والتخلف بما أنها تحارب المبدعين والمفكرين وأصحاب الكفاءات وتقدس الفاشلين والانتهازيين والمغامرين وذوي المعرفة السطحية والشهائد الإدارية الممنوحة بفضل الولاءات والمحسوبية والترقيات والخطط الوظيفية المقدمة حسب التوصيات والأوامر الفوقية وتبادل المنافع والخيرات بين المسؤولين المتنفذين لتحقيق غنيمة شخصية غير مستحقة بعيدا عن المصلحة العامة وديمومة المؤسسة.
والغريب أن هؤلاء يأمرون الناس ليلا نهارا بالعمل والكد والمثابرة رغم قساوة الظروف وبطش المظالم وتفشي رائحة الفساد وهم في أبراجهم العاجية يحبرون الأوامر والقرارات وأمام أيديهم كل الموارد والامتيازات والخدم والحشم وجيش من المستشارين الضالعين في ''تجميد الماء'' وتحويل التراب إلى بخور وذهب لماع وقد قال الخليفة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): ''إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع''

508
مشاهدات
0
تعليق

ابلاغ Report

جاري التحميل