وهم الديمقراطية بقلم عزالدين مبارك
وهم الديمقراطية
بقلم عزالدين مبارك
يستعمل الساسة في بلادنا شتى صنوف التعريفات والمصطلحات في خطبهم وبرامجهم الانتخابية وأكثر هذه المصطلحات شيوعا وتكرارا الديمقراطية والشعب. والمتتبع للممارسات الفعلية على أرض الواقع وعلى مستوى الهياكل الحزبية لا يجد لها تطبيقا إلا ما ندر. فالقول عند الساسة هو الإيهام وبيع الكلام المنمق والظهور بمظهر المنظر الذي لا يشق له غبار واستعمال مفاهيم مسقطة على واقع لا يمت للحقيقة بصلة.
فيبيع الساسة المفهوم الحداثي المتعلق بالديمقراطية لباحث عن رغيف أو بطال تعيس أو مريض قعيد و مكابد للحياة عنيد أو أمي كسيح هو مجرد بيع للأوهام ومخادعة النفس والتفلسف العقيم في غير محله. كما أن الكلام باسم الشعب وهو المصطلح المبهم والغامض لأنه مجرد إرادة غير ملموسة تتمظهر بالخصوص من خلال التحركات التلقائية الغير مدفوعة الأجر والانتخابات النزيهة والقياس العلمي للرأي العام هو التحايل بعينه على المصطلح باستعمال اللفظ المتداول لاستدرار عطف الناس باللعب على مخيلاتهم وموروثهم وعقائدهم.
فالأحزاب التي تملأ المشهد ضجيجا وتتشدق بالديمقراطية وتتكلم باسم الشعب لا تتبنى المفهوم الحقيقي للديمقراطية صلب هياكلها ولا تطبق مبدأ التداول على المناصب التي هي في الغالب حكرا على الموالين والمقربين من الزعيم الأوحد الذي لا يترك منصبه إلا عندما يزوره عزرائيل. وقد شاهدنا كيف تفتت الكثير منها ونشر غسيلها على الملأ في حرب ضروس على القائمات وتكالب مقيت على المناصب والزعامات.
فالبعد الشخصي والتهافت على المناصب والمال هو ديدن أغلب الأحزاب وليس البحث عن الديمقراطية ومصالح الشعب والكلام الذي يتشدقون به هو كذر الرماد في العيون فلو كانوا كذلك لطبقوه على أنفسهم وهم في المعارضة أو أنجزوه عندما كانوا في الحكم.
فالديمقراطية يصنعها الشعب الواعي والقادر على فرضها على الساسة الذين يجرون وراء مصالحهم الضيقة والمنفعة الشخصية وليست النخب المتعالية والتي تعيش في الأبراج العالية وتتصرف كالملوك والسلاطين ولا تخرج من جحورها إلا بمناسبة الانتخابات المدفوعة الأجر. فكم من قائمة متقدمة للإنتخابات لا يعرف أفرادها أي أحد في الجهات ومسقطة من طرف رؤساء الأحزاب لغاية في نفس يعقوب وأكبر دليل على ذلك الانشقاقات الحزبية والاستقالات وتعدد القائمات المستقلة. كما أن تكالب الأحزاب على ترشيح رجال الأعمال سيهدم القليل مما تم تحقيقه على مستوى المسار الديمقراطي وحرية التعبير والصحافة بما لهذه الفئة من نفوذ مالي وسلطان على قرارات الأحزاب.
فشعار الديمقراطية المرفوع من طرف أغلبية المترشحين والأحزاب وخطب ود الشعب الكريم وخاصة المعدمين والمهمشين وفاقدي السند وإغراقهم بالوعود الكاذبة حتى وصل الأمر لشراء الذمم وتزوير التزكيات وما خفي كان أعظم لأن مفهوم السياسة عندنا هو الوصول إلى الكرسي بأي ثمن. وقد زاد الطين بلة أن القانون الانتخابي ترك المجال مفتوحا لشتى التجاوزات والخروقات وشجع بالتالي هذه الممارسات اللامعقولة والتي ستؤثر حتما على صدقية الانتخابات ونزاهتها.
ونحن نعيش بالفعل وهما ونظن تجاوزا أن الانتخابات هي الديمقراطية في غياب مشروع مؤسساتي وقوانين تحمي التفكير وحرية الراي والصحافة من تغول المال الفاسد والهيمنة الحزبية الضيقة. كما أن التجربة التي عشناها فيها الغث والسمين وقد شابتها بوادر النكوص إلى الوراء والارتداد إلى الخلف بحكم التخلي عن مبدأ المحاسبة والمكاشفة وها هي جحافل المتزلفين والانتهازيين تعود من جديد رافعة رايات العذرية ومطالبة من الشعب بالاعتذار عن ثورته المغدورة وكأن شيئا لم يكن.
وإذا نجح هؤلاء في الانتخابات القادمة تحت أي مسميات ويافطات حزبية وهذا منتظر لما لهم من دراية ومعرفة بخبايا الأمور وتجربة في هذا الشأن والمال والمناصب التي غنموها في العهد البائد وكذلك في العهد الجديد فإن دار لقمان ستبقى على حالها مع إضافة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد. وربما نمر بمرحلة الانتقام المعاكسة والتشفي ورد الفعل وخاصة إذا تم تفعيل قرارات ما يسمى بالعدالة الانتقالية والتي رحلت بفعل فاعل إلى مرحلة ما بعد الانتخابات مما يشكك في نجاحها لأنها خرجت عن سياقها التاريخي وأصبحت بلا معنى وضررها سيكون أكثر من نفعها.
والديمقراطية ستبقى وهما في أّذهان عامة الناس وحلما مشروعا ومجرد كلام يتفوه به الساسة دون معنى لأن البيئة السياسية والثقافية والفكرية غير جاهزة في الوقت الحاضر ولا نجد ممارسة ديمقراطية متجذرة على أرض الواقع إلا لماما.