الاتفاق حول النووي الإيراني : الخاسرون والرابحون بقلم عزالدين مبارك
الاتفاق حول النووي الإيراني :
الخاسرون والرابحون
بقلم عزالدين مبارك
لقد تم إمضاء الاتفاق بين الدول الغربية وإيران حول الملف النووي لهذه الأخيرة بعد مخاض عسير وشهور من الكر والفر والمناورات المحمومة بين الجانبين لكن يبقى الجانب التنفيذي لهذا الاتفاق على أرض الواقع هو المحدد لنجاحه من فشله لأن الشيطان في التفاصيل كما يقال.
وقد بدأت وحبر الاتفاق لم يجمد بعد حمى التصريحات والتأويلات في ظل ابتهاج إيراني لافت وفتور في دول الخليج العربي وتنديد واضح في إسرائيل وانتظار مشوب بالحذر بالمعسكر الغربي. فمن يا ترى الرابح والخاسر من هذه الاتفاقية التي خرجت من رحم الألم والمعاناة في ظروف دولية سيئة للغاية لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية الجيوسياسية؟
فالخاسرون جملة وتفصيلا هي الدول الخليجية والدول العربية عموما وقد تخلت عنهم أمريكا من أجل مصالحها الاستراتيجية بحكم التحولات الجيوسياسية في المنطقة والعالم بعد ظهور إيران كلاعب قوي ونشيط يحذق اللعبة الدولية بامتياز ويستغل مشاكل المنطقة وأخطاء الإدارة الأمريكية وجمود السياسة العربية .
ولم تستفق السعودية إلا متأخرة عندما أحست بالخطر المحدق بها والتفاف إيران عليها بحيث لم تستطع التأثير على وجهة الإـفاق حول الملف النووي الإيراني لكنها أرادت الاستدراك من خلال تدخلها المباشر باليمن قبل استيلاء إيران على خاصرتها الغربية من خلال أعوانها الحوثيين بالمنطقة.
كما انتبهت السعودية في اللحظة الأخيرة لسياسة إخوان مصر المعادية لها عندما تسلموا الحكم فساندت بدون تحفظ ورغم اشمئزاز الحليف الأمريكي، تسلم الجيش المصري بقيادة السيسي مقاليد الحكم ودحر سلطة الإخوان لعودة الخط القديم الذي يرى في إيران دولة تريد بسط نفوذها على العرب والتوسع على حسابهم.
فالعرب بحسب هذا الاتفاق الذي يجعل من إيران قوة نووية ولو بصفة سلمية لا جدال في ذلك وسيكون لها بالتالي شأن ورأي في دول المحيط وخاصة في الخليج العربي واليمن ولبنان والعراق وسوريا لما لها من نفوذ مالي واقتصادي وعسكري في المنطقة. كما ستكون لها بعد رفع العقوبات موارد مالية كبيرة تساعدها على تحقيق ذلك من خلال أعوانها المتواجدين على الأرض كشيعة العراق ولبنان والحوثيين في اليمن ومن خلال ما تتحصل عليه من تكنولوجيا متقدمة من الدول الغربية التي أصبحت بحكم الاتفاق مضطرة للتعامل معها على مدى السنوات المقبلة وذلك على حساب الدول العربية التي فقدت مزاياها التفاوضية ولم تعد لها آليات التنافس الدولي سوى النفط الخليجي الذي ستنهار سلعه إلى الحضيض في قادم الأيام بظهور بدائل أخرى على المدى المنظور.
أما الدول الغربية التي تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة ولا تريد خوض حرب طاحنة ضد إيران مثلما وقع مع العراق الذي تآمرت عليه الدول العربية نفسها بغباء استراتيجي لافت وتركته فريسة سهلة لإيران وقد كان بإمكانها وقف الحرب وانقاذ هذا البلد العربي المحوري من الانزلاق نحو المجهول ولهذا استماتت وقدمت التنازلات المؤلمة وهي تعرف أن مراقبة النشاط النووي الإيراني من الصعوبة بمكان لكنها مضطرة على ما يبدو لتأجيل المعركة الحاسمة مع الثعلب الإيراني لوقت آخر وانتظار الغلطات القاتلة من النظام الإيراني مثلما فعل صدام حسين الذي تنبا قبل استشهاده بأن إيران لن تفلت من المصيدة.
فالغرب يريد ملاعبة إيران بالحيلة مثلما تفعل هي ويبحث عن المبررات ونافذة ولو صغيرة للانقضاض على المشروع النووي الإيراني ومحقه قبل أن يتحول إلى قوة نووية فاعلة ومؤثرة. فمعركة المراقبة والتفتيش ستكون صعبة ومؤلمة وتشوبها المخاطر الجمة وهي كلعبة القط والفأر وتجربة العراق مازالت ماثلة أمامنا بحيث هناك مخطط مبيت لا محالة لتفكيك القوة النووية الإيرانية من الداخل فذلك حسب الظروف الحالية أقل كلفة من التدخل العسكري المباشر.
وربما يستغل الغرب هذه الاتفاقية لحوار أشمل مع إيران من أجل إيجاد حلول لمشاكل المنطقة الملتهبة ويعود الرشد للقادة الإيرانيين حتى ينسجموا مع الواقع الدولي وينسجموا مع محيطهم ويكونون بذلك طرفا في معادلة جيوسياسية مستقرة.
أما الخاسر الأكبر فهي إسرائيل التي رفضت الاتفاق جملة وتفصيلا وبدأت من الآن تبحث في خياراتها المستقلة بداية بالتشكيك في نجاح هذا الاتفاق لعدم الوثوق في إيران ثم التأثير في القرار الأمريكي من خلال قوى الضغط التي تملكها والتلويح بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية مثلما فعلت في العراق.
فالأيام القادمة ستكون حبلى بالتفاعلات حول هذا الاتفاق الذي يبدو كاتفاق هدنة لاسترجاع الأنفاس لما فيه الكثير من الحسابات والغموض والترضيات أكثر منه اتفاق حاسم ينهي المشكلة من أساسها. فالشكوك حول البرنامج النووي الإيراني ما زالت قائمة وعسكرته تتطلب فقط القرار السياسي لما لذلك من تداعيات ومسؤوليات جد باهظة الثمن على المنطقة والعالم بأسره.