فصحيات نيّرة (2): كَنزُ الصّالحات وَواهبُ الحياة - جاسر الياس داود
فصحيات نيّرة (2)
كَنزُ الصّالحات وَواهبُ الحياة
جاسر الياس داود
سعيد وأمل وسامر ثلاثة أطفال يتعلّمون في الصف الرابع الإبتدائي، يُحبّون بعضهم كثيراً، يجلسون على نفس المقعد في غرفة الصف، يساعدون بعضهم البعض في فهم وتفسير المُبهم في بعض المواد التعليميّة، يتقاسمون أحياناً الطعام في فرص الإستراحة اليوميّة، إذ كان سعيد وسامر أبناء عائلات متوسّطة من حيث الحالة الإقتصاديّة، أمّا أمل فكان ابن عائلة ميسورة الحال، لا ينقصه شيء سوى الصلاة والتقرّب لله.
كان سعيد وسامر يتحدّثان مع زميلهما وصديقهما أمل عن صلاتهما في البيت، وعن ذهابهما أيّام الأحد إلى الكنيسة مع أفراد عائلاتهما ومشاركتهم المُصلّين في صلاتهم. كم كانت غبطة سعيد وسعادته كبيرة، حين كان يرى صديقه أمل صاغياً إلى كلامه وهو يتحدّث معه عن الصّلاة والتقرّب لله – عزّ وجلّ . وسأله سعيد: لماذا لا تأتي أنتَ وأهلك لتشتركون مع المصلّين بالكنيسة في يوم الأحد من كلّ أسبوع؟
أجابه أمل قائلاً : في يوم الأحد من كلّ اسبوع، نسافر مع والديْنا للتنزّه في الأماكن الجميلة، ثمّ نتناول طعام الغداء في أحد المطاعم المشهورة بمأكولاتها، وأحياناً نقضي اليوم كلّه في أحد الفنادق، نسبح في البركة، ثمّ نقوم بجولة مشتريات في مجمّعٍ من المجمّعات القريبة من الفندق، بعد هذا نعود في المساء الى البيت.
إقترح سعيد على صديقه أمل قراءة أصحاح من الإنجيل المقدّس كل يوم أو كل يومين، وسترى يا عزيزي أمل كيف تتغيّر حياتك. الكتاب المقدّس يرشدك يا أمل الى التقرّب الى أو من الله ومن الإنسان الّذي خلقه الله سبحانه وتعالى على صورته. عاد أمل الى البيت وهو يفكّر باقتراح صديقه وابن صفّه سعيد، ولمّا وصل وبعد تناوله طعام الغداء والقيام بواجباته الدراسيّة، يتحدّث مع والديْه حول أمور الصّلاة والذّهاب إلى الكنيسة يوم الأحد من كلّ اسبوع.
ولكن آذان والديْه كأنّها مليئة بالطّين، مسدودة لا تسمع إلاّ رنّة الأصفر ولا ترى إلّا صورة جورج واشنطن وغيره من الزعماء الأمريكيّين. لمّا لاحظ الوالدان تأثير سعيد وسامر على ابنهما أمل، فكّرا جيداً ونوصّلا الى حلٍّ وهو استبدال المدرسة الّتي يتعلّم بها إبنهما بمدرسة خاصة غير دينية، ونقله هذا يكون في بداية تعلّمه في الصّف الخّامس، وهكذا لا يستطيع سعيد وسامر من نيل العلم مع ابنهما أمل في المدرسة الجديدة مستقبلاً ، لأنّه لا يكون بمقدورهما دفع رسوم التعليم في المدرسة الجديدة.
تمرّ الأيّام ويسافر سعيد وسامر إلى أوروبا للإلتحاق بكلية الطبّ في إحدى الجامعات، كانا يعملان في ساعات الفراغ لتوفير بعض المال للدراسة، إجتهدا وحصلا على شهادة طبيب، ومن ثمّ عاد سامر إلى بلاده، والعمل في أحد المستشفيات، أما سعيد فقد فضّل البقاء بالبلدة التي تعلّم في جامعتها للتخصّص. أما العلاقة بين سعيد وسامر فقد استمرت، إذ كانا يتحدّثان مع بعضهما البعض كلّما سنحت لهما الفرص. تمرُّ السنون، ويمرض ابن أمل، ويصل بوضعه الصحّي إلى درجة سيّئة، فيُنقل إلى الستشفى الذي يعمل به الطبيب سامر. أمل لم يعرف الطبيب سامر، ( زميله في المدرسة الإبتدائية حتّى الصفّ الرابع) أمّا سامر فما زال يذكره. إهتمّ الطبيب سامر بإبن أمل، وأعلمه بأنّ وضع ابنه الصحّي غير ميؤوس منه، لأنّ هناك طبيب في الخارج يستطيع أن يُشفيه، ولكن هذا يتطلّب مبلغاً كبيراً من المال. وافق أمل بسرعة على دفع المال مقابل شفاء ابنه.
حضر الطبيب سعيد من الخارج خصيصاً الى المستشفى الذي فيه يرقد ابن أمل، وطلب من زميله الطبيب سامر عدم كشف هويته أمام أو لأمل وأهله. مكث الطبيب سعيد مدّة اسبوع بمراقبة ابن أمل، واستطاع مساعدة ابن أمل بعد إجراء عملية جراحية معقّدة له. وبعد اسبوعين من إجراء العملية الجراحية، تماثل ابن أمل للشفاء. وعند حضور أمل وزوجنه ووالديه الى المستشفى لمرافقة ابن أمل الى البيت، دخل عليهم الطبيبان سعيد وسامر ، طرحا السلام، ثمّ بدأ الطبيب سعيد بالتحدّث مع أمل وأهله، مذكِّراً إيّاهم بالتعالي والتكبّر وعدم التقرّب الى الله وقائلاً لهم: قال سيدنا يسوع المسيح:" لا تَكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يُفْسِدُ السوس والصدأ وحيث يُنَقِّبُ السارقون فيسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يُفْسِدُ سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون".
وبعد أن أنهى هذه الآية والوعظة، ذكّرَ أمل بأيام التعليم في المدرسة الإبتدائيّة، وبتصرّف أهله معه ومع الطبيب سامر. وقال لهم أيضاً: أنا لم أشفِ ابنكم، أنا بعملي هذا مع ابنكم كنتُ وسيلة وحلقة وصل بين ابنكم ورحمة الخالق وما عملته مع ابنكم كان بإيحاء من ربّنا الخالق، هو واهب الحياة لا أنا الطبيب أو الإنسان، فله الشكر أوّلاً وآخراً. وأودّ أن أعلمكم بأنّ المال الذي أخذته مقابل إجراء العملية الجراحية، قد تبرّعتُ به لبيت المسنّين ، حيث فيه ينزل مُعلّمنا عمر المحمود الّذي اهتمّ بنا وبنعليمنا بالمدرسة الإبتدائيّة، وله الفضل مع باقي المعلمين بالوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم من تقدّم ونجاح في حياتنا العلميّة والعمليّة. وأودّ أن أذكّركَ يا أمل بأنّ حضوري للبلاد كان للقيام بمهمّتيْن مرضيّتيْن: الأولى إنقاذ ابنك، وأمّا الثانية فهي معايدة مُعلّمنا الذي نسيته يا أمل ونسيتَ أفضاله عليك وعلى جميع الطلاب، ألا وهو المعلِّم عمر المحمود الذي أصيب بوعكة صحيّة شديدة أثّرتْ عليه، ومنعته من القيام بواجباته الخاصة.
لقد طلبتُ من المسؤولين في منزل المسنين هذا شراء كلّ جهاز يتطلب بواسطته مساعدة معلّمنا، فسيّدنا يسوع المسيح لم يأتِ للأصحّاء بل أتى للمرضى. وهناك مهمّة ثالثة خاصة بي. بَدَا التأثّر على وجه أمل بعد سماعه لأقوال الطبيب سعيد، ولم ينبس ببنت شفة، أمّا الوالدان فقد طأطئا رؤوسهما الى أسفل ولم ينظرا الى الطبيب سعيد. ترك الطبيبان سعيد وسامر المستشفى وتوجّهامل الى بيت المسنين لزيارة وفحص معلمهم عمر المحمود والإطمئنان على صحّته، وكذلك لفحص المسنين الذين ينزلون في هذا البيت مجّاناً.
في الطريق الى بيت المسنّين تحدّث الطبيبان وخلال حديثهما قال الطبيب سعيد: لقد قرّرتُ العودة الى البلاد لسببين، الأول مراقبة المعلّم عمر وصحّته عن قُرب، وثانياً البحث عن ابنة الحلال الّتي ستُقاسمني بقيّة أيّام حياتي هذه، وبعد هذا سأستمرّ بمساعدة مَنْ هُم بحاجة لمساعدتي.
عبلين 25/3/2012م