نريد طلابًا يحبون - بقلم: المحامي جواد بولس – كفرياسيف
قرأنا في المواقع الإخبارية عن ما يسميه نشطاء في "التجمع" في جامعة حيفا اعتداءً على أحد طلابهم من قبل أحد نشطاء حركة "اقرأ" التابعة للحركة الإسلامية. التفاصيل الدقيقة لا تعنيني، إذ أنه لا جديد في وقوع حادث اعتداء جسدي على طالب عربي محسوب على حركة سياسية معينّة ولا جديد في أن يشتبه بطالب عربي محسوب على حركة سياسية "معادية" بكونه المعتدي على زميله وأخيه.
قبل أكثر من ثلاثة عقود وحينما كنّا طلّابًا في جامعات البلاد شهدنا مثل هذه الاعتداءات أو المناكفات والتي خلٌفت أحيانًا جرحى وجروحًا لم تبرأ ولم تصح، على الرغم من مرور الزمن. في ذلك الزمن كانت القوتان الأساسيتان المتصارعتان على عقول الحركة الطلابية العربية وعلى قلوبها هما "جبهة الطلاب العرب" و "حركة أبناء البلد". لم تكن بين الطلاب أي حركة دينية مؤطّرة سياسيًا.
ما نشاهده من متابعات غير قريبة ومن دون الدخول في عمق التجربة الطلابية الحالية، يؤدي بنا إلى العودة لتلك السنين. هنالك حالة من التشابه الملفت بين محرّكات العمل الطلابي السائد اليوم والذي ساد قبل ثلاثة عقود. مجموعة من الطلاب العرب، بعضهم يفد للجامعة مؤطّرًا ومنتميًا إلى حزب أو حركة سياسية وبعضهم يبدأ بتفتيح أعينه على تجربة جديدة. هؤلاء، بالعادة، يتحولون إلى أهداف يحاول نشطاء الأحزاب والحركات السياسية "اصطيادهم" وضمهم إلى الخندق.
اندفاع الشباب وطقوس الإبهار والتشاوف الطاووسي هي ابنة الواقع وأخت لهورمونات الطبيعة. خطأ في فهم أبعاد الواقع بما يتعدى عصارات القدر الجامعي وما يشتعل من نار تحتها. استغلال مؤسف من قبل بعض قيادات الأحزاب والحركات لهمم النشطاء والأتباع.
أعتقد أن هنالك سياسة تعتمد "التوريب". نعم، ما زال هنالك من يحاول تأليب نشطائه على شخص أو أشخاص لمجرد أن تعتقد قيادة الحركة أن هذا أو أولئك يستوجبون الهجوم والتقريع وفضح أعراضهم على "صنوبر بيروت" كما قال المثل. أحيانًا يتغير موقف "القيادة" من نفس الشخص وعليك كجندي مطواع أن تتبع الموجة والموجِّه. فإن كان فلان مناضلًا وشريفًا وهبطت تعليمات جديدة لا تشرح ولا تفصِّل، ما عليك إلّا أن تنضم للقافلة وتبدأ أنشودة الحداء الجديدة. روبوتات تعبأ وتفرّغ على كهرباء القلب والحماسة والهشاشة، المولٌدة عادة في مخازن القادة أو مقاهيها.
أقلية في محيطات معادية. أهداف لسياسات عنصرية مباشرة وممارسات فاشية خطيرة (كما في صفد وغيرها)، على الرغم من بكائهم من سوء وخطورة الحال، وعلى الرغم من وضوح معالم "المعركة" ومن هو عدو الجميع، تجدهم تحت طائل خوض "أم المعارك" وضرورة النجاح فيها يدكون حصون ويقلعون قلاعًا ويتيحون محظورًا ويسيلون دماءً، هي في عرف المعلن وهتاف الزيف، دماء إخوة.
إلى حدّ بعيد ما كان هو القائم اليوم. ما يختلف لفّته دورة الحياة وما أنتجته من حركات وتيّارات سياسية جاءت وأحضرت معها حقيقتها المطلقة وإيمانها أنها تملك الحق والحقيقة والصواب.
في زمننا لم تكن حركة إسلامية ناشطة بين الطلاب. ولكن عرفنا كيف يستسهل البعض تخوين الآخرين ورميهم بأسوأ التهم والقذع والتشهير، لا لسبب أو بيٌنة أو برهان، معاذ الله، بل لأن المتَّهِم كان يعتقد أنّه سيّد المعرفة واليقين والرأي السديد وأنّه أمين ومؤتمن على المصلحة العامة والمصلحة الوطنية ومن لا يصرخ ولا يسحج في صفّه خائنًا يكون، وعليه يقع الحد ويستوجب العقاب.
هكذا كان وهكذا اليوم، والفارق أن المتّهِم هو سيّد معرفة اليوم ويقين الحاضر، فأنت أيّها التجمعي عديم الأخلاق منبطح مفسِد وأكثر، أنت خائن لدينك! قاوم دافع قارع ارفض... لن يفيدك. نحن نعتقد ونعرف وهذه هي الحقيقة الواضحة الدامغة أنت خائن ولست منّا ولن تكون....... لا مفر.
من اعتاد تخوين الآخرين ونعتهم بما فصٌله الخيال العليل، جاءه اليوم من يعامله بالمثل وإن اختلفت مضامين التهم وبنود الاتهامات. كانت العلة ولما تزل، احتكار المعرفة والصواب، إقصاء كلِّ صاحب رأي آخر. استسهال التخوين والتقريع حتى هدر الدماء.
كم قلنا: لا أهون من إطلاق عنان القذف والتخوين. لا أجدر من إفساح فرصة لعقل يناقش عقلًا. ولا أجمل من أن تعيش وتحب فلا تكره. نريد طلّابًا يحبّون.