مشاركة فيديوهات ومقالات بالعربية

العرب والتجربة السويسرية-بقلم بطرس منصور

5.00 - (1 تقييمات)
نشرت
1320
مشاهدات
4
تعليق

ابلاغ Report

العرب والتجربة السويسرية-بقلم بطرس منصور

 

لا يمكن نعت باراك حسين اوباما بأنه معادي للعرب والمسلمين كالكثيرين من أسلافه في الرئاسة الأمريكية. وقد يقول البعض حتى أنه اكثرهم تعاطفاً مع العرب ككل. من هنا يتوجب النظر بإمعان لخطابه المطوّل حول الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي إذ قام بتحليل الظروف الموضوعية للعرب عامة والفلسطينيين خاصة وأورد حلول معينة لها. سأتوقف عند نقطة واحدة فقط.

لفتت نظري فقرة عن العرب اتى فيها اوباما فأورد حقيقة اقتصادية مفادها انه فيما عدا النفط ومنتجاته فان الشرق الأوسط يصدّر بضائع ومنتجات بقدر ما تصدّر سويسرا! إقليم مترامي الأرجاء من مئات الملايين من البشر يعيشون واقع من التخلف الاقتصادي إذ فشلوا في مضاهاة دويلة صغيرة كسويسرا في تصدير منتجات للعالم.

يمكن التباكي طويلاً على ظروف العرب من حيث العقلية القبلية المقيتة ، التعصب الديني ،انعدام الحريات الإنسانية الأساسية ، قمع الأقليات وأيضا التخلف العلمي وغيرها. وقد كُتبت مجلدات لتحليل أسباب تخلف العرب عن باقي أمم الأرض ولا يمكن اعطاء اجابات شفية لذلك في هذا السياق. لكن المقابلة التي اجراها اوباما وشملت سويسرا لفتت نظري لاهتمامي بالتجربة السويسرية. تجربة سويسرا الناجحة اقتصادياً بامتياز تلقي الضوء على معالم يتوجب على العرب التوقف عندها ان ارادوا فعلاً اللحاق بالركب الحضاري والعلمي العالمي.

سويسرا دولة صغيرة في المفاهيم الأوروبية وتقع في مركز أوروبا بين دول عملاقة وجبارة في التاريخ العالمي مثل المانيا وفرنسا وايطاليا. رغم موقعها الحساس بين الدول المذكورة غير ان سويسرا لم تتورط في الحربين العالميتين -لا مع هتلر النازي ولا موسيليني الفاشي . لم تتماثل سويسرا مع الحلفاء ولم تحذو حذو حكومة فيشي. سويسرا بقيت حيادية. وليس ذلك فقط- لكن سويسرا لم تشترك في أية حرب كانت منذ حوالي 300 سنه! بالمقابل فالعرب أبدعوا في العنف والبطش تجاه بعضهم البعض. للمثال وليس للحصر من السنين الأخيرة: تقاتل العرب في أيلول الأسود ،الحرب الأهلية في لبنان ،الائتلاف العربي مع الغرب ضد العراق في حرب الخليج الأولى . أما في أيامنا هذه فحدّث ولا حرج عن قتل المدنيين العُزل في ليبيا وسوريا واليمن واللائحة طويلة. زد على ذلك ايضا الحروب مع إسرائيل فتخلص للاستنتاج ان ماضينا وحاضرنا دمويين للغاية.

العرب أصحاب لغة واحدة من المحيط إلى الخليج ولكنها مبتورة ، مهمله وبائدة وقد استبدل الشباب أحرفها بالأحرف الانجليزية للكلام العامي في التواصل مع بعض . وقد تم إقصاء اللغة العربية عن مجال التواصل العلمي والأكاديمي . أما في سويسرا الصغيرة فتم اعتماد أربع لغات رسمية (الألماني، الفرنسي، الايطالي والرومانوش) ورغم ذلك يسود التفاهم والتواصل في دولتهم المتماسكة.

يمكن السفر براً من الرباط في المغرب في أقصى الغرب وحتى الإمارات العربية في الشرق أو الخرطوم في الجنوب عن طريق اليابسة. لكن المعابر والحدود والإجراءات الأمنية بين الدول العربية تصعب الانتقال . الشك والريبة تغذيان اجراءات وصعوبات في الانتقال. أما سويسرا فتحتوي جبال شاهقة قاسية تجعل الوصول بين مكان وآخر مستحيلاً. غير ان شعب سويسرا قرر تذليل الجبال فحفر عشرات الانفاق في عمق الجبال وكان آخرها نفق جوتهارت الذي تم شقه باتقان بأفضل التقنيات في جبال الألب وطوله 57 كيلو مترا (!) وافتتح قبل أقل من سنة. أما التنقل بين سويسرا والبلاد المجاورة فيتم بسهولة وأحيانا كثيرة دون توقف أو معابر.

يمكن الاستمرار بالمقارنة ولكن النتيجة واضحة: الشرق الاوسط ممزق بالصراعات والتخلف. دول عديدة تعيش في فقر مدقع واخرى في غنى فاحش على حساب الذهب الأسود حتى ينفذ . وكلها  ترزح تحت كاهل الكبت والقمع الفكري وكلاهما يقود لتخلف علمي وصناعي. أما سويسرا فتنعم بالغنى الناتج من نشاط ، تخطيط ، سلام  وحرية  اذ تعتبر سويسرا من أغنى بلدان العالم ومدنها الرئيسية بيرن ، زوريخ وجنيف يزينّ لوائح المدن الراقية ذات مستوى المعيشة الأعلى في العالم.

لا طرق مختصرة لتغيير الأوضاع في الدول العربية. فوسيلة العرب الوحيدة للحاق بالركب لحضاري والعلمي هي بواسطة وضع قيمتي الحرية الفكرية والتعليم في أعلى سلم القيّم والأولويات السائدة في بلاد الشرق الأوسط .

هل يدور الدولاب ويتم ذلك في زماننا؟ 

1320
مشاهدات
4
تعليق

ابلاغ Report

جاري التحميل