عن الحراك الاجتماعي في إسرائيل(2-4): أزمة اقتصادية في المجالات الاجتماعية وأوهام بالإصلاح عن طريق التوصيات الشكلية - سميح غنادري
تعصف بمعظم الدول الرأسمالية المتطورة أزمة اقتصادية ومالية حادة، منذ سنة 2007. لكن إسرائيل، العضوة في "منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي – OECD" عبرتها بنجاح. وسجّل اقتصادها مؤشرات ومعدلات ومعطيات نموّ ومعافاة يحسدها عليها نادي الدول المتطورة. لكن فيها بالذات اشتعل الحراك الاجتماعي الاحتجاجي الأوسع جماهيرية. لماذا؟
المعافى... المريض
نما اقتصاد إسرائيل هذه السنة بأكثر من 5%، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 4% في السنة القادمة. هذا مقابل 1,5% و 1,8% في أمريكا، و 1,6% و 1,1% في أوروبا، و 2,3% في مجموعة الدول الأعضاء في OECD معاً. أما نسبة البطالة في إسرائيل فهي 5,6% فقط (في أمريكا 9% وبريطانيا 7,7% واليونان 16%). ولم ينهار فيها أي فرع اقتصادي ولا أي بنك أو مؤسسة مالية وصندوق تقاعد أو تأمين. ميزانيتها متوازنة مع عجز قليل نسبياً وعملتها قوية، وتزيد الشركات المالية الدولية والبنك الدولي من اعتمادها المالي بينما تخفضه لأمريكا ولعدة دول أوروبية. ويصل معدل الحد الأدنى للمعاشات في إسرائيل إلى 14 ألف دولار سنوياً، وتبلغ حصة الفرد من الإنتاج الوطني الإجمالي 30 ألف دولار.
ثم ليس صحيحاً أن إسرائيل كفّت كلياً عن كونها دولة رفاه اجتماعي في أي مجال كان. إذ فيها أذون عمل ومرضية مدفوعة الأجرة، وتأمينات صحة وعلاج وإعاقة وبطالة وشيخوخة وتقاعد، وتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ودعم للتعليم الجامعي، وإذن ولادة مدفوع الأجرة ومخصصات مالية شهرية للمواليد. ومستوى المعيشة في ارتفاع 2,3% وكذلك الاستهلاك 5,1% وتحتل المكان الـ 12 في العالم في معدل الأعمار(82 عاماً للنساء و78 عاماً للرجال).
إذاً، لماذا هبّ الناس مطالبين بالعدالة الاجتماعية؟ المعطيات العامة لاقتصاد إسرائيل، في "الماكرو"، معطيات تشرّف أية دولة متطورة. لكن "الشيطان" يكمن في التفاصيل، في "الميكرو". وكان نتنياهو هو الذي أطلق أيدي هذا الشيطان منذ عشرين سنة، بتبنيه لأيديولوجية الليبرالية الحديثة في الاقتصاد ــ مدرسة تاتشر وميلتون فريدمان ويمين الحزب الجمهوري الأمريكي، وبتطبيقها كسياسة اقتصادية ــ اجتماعية للحكومة. بأيديويلوجيا تدعو إلى أقل ما يمكن من تدخل الحكومة المباشر في الاقتصاد ومراقبته وتنظيمه، مع أقل ما يمكن من الصرف الحكومي العام على الخدمات والرفاه والتأمينات الاجتماعية، وأقل ما يمكن من الضرائب على أساطين المال والأعمال والشركات، بحجة تشجيع الاستثمار في البلاد. هذا إلى جانب إضعاف القطاع العام وشبه تصفيته والخصخصة لشتى قطاعات الإنتاج وحتى للخدمات الاجتماعية، وإطلاق أيدي اقتصاد السوق. "لا تعطي الفقير سمكة حتى يأكل، بل اعطه صنارة حتى يصطاد، وعندها سيعم الرفاه وتنتهي الضائقة"ــ يقول أصحاب هذه النظرية. على اعتبار أن النقود يصنعها الاحتكاريون والرأسماليون الكبار، فتتسرب للفقراء وينتشر الرخاء.
حررت الخصخصة واقتصاد السوق وتعميم المنافسة الاقتصاد عموماً من ركوده وبيروقراطيته وزادت من إنتاجيته ومعدلات نموّه. لكن الخصخصة كانت لصالح كبار رجال الأعمال، وليس لصالح الجمهور، إذ وحدهم بإمكانهم شراء حصص الدولة وملكيتها العامة، من أرض وإسكان وبنوك وشركات انتاج وبنى تحتية وخدمات...الخ. وترافقت الخصخصة مع غياب أو إضعاف الضوابط والرقابة وتعميمها هي والسوق حتى على الخدمات الاجتماعية. هذا عدا عن تقليص حصة الحكومة في الاقتصاد عموماً وفي الصرف على الخدمات والتأمينات الاجتماعية خصوصاً. أضف إلى هذا إطلاق أيدي أساطين رأس المال، غير الانتاجي، والبنوك وشركات التأمين والإقراض في مضاربات وصفقات مالية دينها وديدنها الربح ولا شيء غير الربح. وأخذت تنمو وتتصاعد قوة وتحكم الشركات الاحتكارية والطغم المالية، من كارتيلات وتايكونات واليغارخيا، عداك عن الشركات الهرمية، واطبقت سيطرتها على الاقتصاد والمجتمع. إذ انتشرت أياديها، كأرجل الأخطبوط، في كل قطاعات ومجالات الحياة. أصبح المجتمع أشبه بغابة، وتلك الشركات هي الملك (الأسد المفترس) والمالك. الأقوى يبتلع الأضعف وتتغوّل أرباح الشرائح العليا، وتتحطم حتى الفئات الوسطى ويزداد الفقراء فقراً في مجتمع يقدس الإستهلاك .
لنأخذ مثال الشركات الهرمية. هذه شركات يملكها ويتحكم بها رأس هرم يضع، يضمّ، تحت كنفيه بنات وحفيدات من شركات في مختلف قطاعات المال والإنتاج والخدمات. ويتداخل فيها الاقتصاد المالي مع الانتاجي مع التسويقي. يصبح المنتج هو المسوّق أيضاً، من خلال شركات التسويق المرتبطة ــ التابعة له. وتقوم الشركة بإقراض نفسها بنفسها عن طريق نقل المال من واحدة إلى أخرى و/أو الحصول عن قروض من البنوك لا أسهل من شروطها. وأصلاً قد يكون لأصحاب الهرم أسهم دسمة في ملكية البنك، عدا عن أن ألوف ملايينها وملياراتها (قيمة كل شركاتها بما فيها البنات والحفيدات) تسهل عليها تحصيل كل ما تريده من تمويل سهل. ومن الطبيعي عندها أن يحدد هذا الأخطبوط الاحتكاري، المالي والانتاجي والتسويقي، أسعار المنتوجات والخدمات للمواطنين ـ المستهلكين. أخطبوط كهذا لا يترك السوق ليفعل فعله في تحديد الأسعار، إذ أنه يصبح هو المالك للسوق والقادر على طحن أي منافس صغير. ويملك حتى، بإذن من الحكومة، مدخرات صناديق تقاعدنا وتأميناتنا للمتاجرة والمقامرة بها في صفقاته المالية.
تنشط في الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 40 ألف شركة. لكن تسيطر على 800 شركة متوسطة وشبه كبيرة منها 13 شركة هرمية فقط. و 8 شركات هرمية من الـ 13 تسيطر على 40% من مجمل ممتلكات الجمهور. وكشفت الصحف الإسرائيلية أن التايكون نوحي دنكنر، صاحب الشركة الهرمية DBI، سيطر من خلال كل شيكل استثمره على 30 شيكل سيطرة مباشرة وعلى 685 شيكل سيطرة غير مباشرة. هذا عداك عن أنه يجري تنسيق وتعاون بين شركات هرمية وشركات بنات وحفيدات مختلفة من المفروض أن تتنافس. لكنها تنسق الانتاج والأسعار للسوق سراً فيما بينها، بهدف ابتزاز الحد الأعلى الممكن من الأرباح على حساب المستهلك، ولخنق أي منافس جديد قد يهدد سيطرتها الاحتكارية. أما مراقبة الحكومة فغائبة، وكذلك تدخلها في تحديد سقف الأسعار.
هكذا قاد دعاة الخصخصة والليبرالية إلى ضدها ــ إلى تمركز الاقتصاد. وقاد دعاة السوق الحر التنافسي بدون مراقبة وأي ضبط إلى عكسه، إلى الاحتكار. أصبح اقتصاد السوق أشبه بالسرطان. فتغولت الأرباح على حساب المستهلك المطحون، وزادت الحكومة طحنه من خلال تقليص خدماتها الاجتماعية ورفع أسعارها هي الأخرى وخصخصة بعضها. لذلك كانت وما زالت مسألة الارتفاع الجنوني لأسعار مختلف المنتوجات والخدمات، هي الشرارة التي أشعلت لهيب الحراك الاجتماعي الاحتجاجي.
انهار في إسرائيل ما كان يُسمى بدولة الرفاه والتكافل الاجتماعي، وبالصهيونية الاشتراكية والطلائعية. لكن لم تقم على أنقاضها رأسمالية ليبرالية وانسانية، وإنما رأسمالية احتكارية حاكمة ومتحكمة بدون روادع. رأسمالية التحالف الثلاثي ــ المال والسلطة والإعلام ــ (إذ أن الإعلام أيضاً تملكه و/أو تضغط عليه وتشتريه باعلاناتها... الشركات الهرمية). الحكم في إسرائيل اليوم هو لـِ "مافيا النون"، كما كتب وقال بعض المعلقين والمحللين الباحثين. اشتقوا هذه التسمية من الكلمات العبرية لذاك الثلاثي: "هون,شلطون، عتون".
قادت هذه "المافيا" إلى إفقار غالبية الناس وقصم ظهورهم تحت عبء إنفلات أسعار المنتوجات والخدمات، مقابل الاغتناء الفاحش للقلة على حسابهم. فها هي "شركة تنوفا" لمنتوجات الألبان، الضرورية والأولية لكل بيت، تسيطر على 50% من سوق الانتاج (وعلى 90% لبعض منتوجاته) فتفرض الاسعار التي تريد، وتسجل زيادة في أرباحها بين سنوات 2008-2010 بنسبة 76%، علماً بأن نسبة زيادة مبيعاتها في تلك السنوات بلغت 2,8% فقط! وقس على هذا أرباح شركة "نيشر" للأسمنت التي تحتكر 90% من سوق إنتاجه، والشركات الاحتكارية والتمركزية الأخرى للبنوك والتأمينات والمواصلات والاتصالات ومواد التنظيف واللحوم والوقود والسيارات وقطع غيارها...الخ.
لذلك لم تفاجئ معطيات التأمين الوطني أحداً حين كشفت أن مقياس عدم المساواة واتساع الهوّة بين أصحاب المداخيل المختلفة أزداد بنسبة 6% بين سنوات 2001-2010، مع أن المخطط كان تخفيضه وتقليل عدد ونسبة الناس في ضائقة ــ(سنعطي الفقير صنارة لا سمكة، أتذكرون؟). لكن الأخطر في تلك المعطيات هو تأكيد التأمين الوطني أنه لو حافظت الحكومة على مستوى صرفها على الخدمات الاجتماعية ولجمت غلاء الأسعار للسلع وللخدمات الأولية... لكان مقياس عدم المساواة قد انخفض بنسبة 14%، بدلاً من ارتفاعه. لقد "سرقوا" السمكة والصنارة... فعملية "الحلب" للجمهور لم تكن من اختصاص شركة "تنوفا" ومنافستها ــ ربيبتها في الحلب ــ "شتراوس" وإنما من كل الشركات الاحتكارية. كذلك الحكومة وبسياستها الاقتصادية، تعتاش على حلب الجمهور، وكأنه قطيع في مزرعة تملكها.
...لكن المريض مات ، فمن هو "الخنزير" المسؤول؟
ذكرنا سابقاً أنه ما زالت في إسرائيل بقية مظاهر لدولة الرفاه. لكن حكومات إسرائيل كانت تخصص حتى بداية ثمانينيات القرن الماضي 70% من الميزانية للصرف على الخدمات العامة ورفاهية المواطن. أما اليوم فتخصص منها 43% فقط. وهي تصرف 15,5% من قيمة الإنتاج الوطني الاجمالي على قضايا الرفاه، أقل بـ 5% من المعدل في دول OECD وبـ 10%-15% في الدول الأكثر تطوراً من بينها. وتخصص 7,5% من الميزانية للخدمات الصحية (9,5%- OECD) وتوظف في الطالب أقل بـ 30% من معدل التوظيف في تلك الدول.
لقد تآكلت حتى قيمة الخدمات المؤمنة (الصحة مثلاً) والمجانية (التعليم). إذ أن المريض أصبح يشارك في الدفع مقابل عيادته للطبيب ومقابل الأدوية، وتزداد مدفوعاته للتأمين الصحي إذا ما رغب بتأمين أرقى وأوسع. والعائلة تكاد تنهار أمام أسعار كتب التدريس لأبنائها وشتى الفعاليات الإضافية ضمن المدارس. إذ تصرف بالمعدل 20 ألف شيكل سنوياً على كل ابن تلميذ عندها يتعلم مجاناً.
ارتفع مقياس الاسعار للمستهلك في آخر خمس سنوات بنسبة 14,3%. وهذا ارتفاع كبير، إلا أنه خادع. لان مقياس ارتفاع السلع الحيوية اليومية يتراوح بين 40-100 %، وفق اختلافها . ارتفع مثلاً الصرف على التعليم في آخر سبع سنوات بنسبة 30% وعلى المياه 102% ويقترب من هذه النسبة الأخيرة ، أو يفوقها، ارتفاع الصرف على استهلاك الكهرباء والوقود والمواصلات والاتصالات والألبان والخضار والفواكه واللحوم. وإذا ما قارنا أسعار سلة المشتريات في إسرائيل بمثيلتها في ألمانيا الغالية نسبياً، نجد أنها هناك أرخص منها في البلاد بنسبة 33%!
يدّعي نتنياهو أن السياسة الاقتصادية لحكومته موجهة ضد الأفقار. لكنها في الواقع تنتج الافقار. ويدعي أن نمو الاقتصاد يعني زيادة رفاهية عموم الناس. لكن الواقع أثبت أن الغالبية لم تستفد معيشياً من هذا النمو وزاد إفقارها. ولا يعزي ولا يعوض هذه الغالبية عن الارتفاع الكبير في الاسعار الارتفاع القليل في المعاشات، لأن المواطن الإسرائيلي أصبح يشتري بالمعاش الأكبر سلعاً ومنتوجات وخدمات أقل بكثير مما كان يشتريه بالمعاش الأصغر.
صحيح أن حجم المعاشات في إسرائيل أعلى مما كانت عليه قبل عقد من الزمن مثلاً، لكن تفاقـَمَ إتساع الهوة في المعاشات. فالمعدل الشهري لمعاشات الشريحة العليا يبلغ 130 ألف شيكل! ويتراوح معدل معاشات الفئات فوق الدنيا والفئات المتوسطة بين 9 آلاف شيكل ــ (الدولار يساوي 3,68 شيكل)ــ و15 ألف شيكل. والقضية الأهم ما هي القوة الشرائية لهذه المعاشات. ثم 70% من العائلات يقل دخلها بكثير عن هذين الرقمين. وهذا أصلاً دخل معقول لعائلات من أربعة أنفار والزوجان يعملان، لكن 50% تقريباً من العائلات في إسرائيل تعتاش على معيل واحد وعدد أفرادها خمسة انفار وما فوق.
لقد أدى الغلاء المنفلت في البلاد، والهبوط المتواصل للقوة الشرائية للأجور إلى أن تحتل إسرائيل، المفاخرة بقبولها لعضوية نادي الدول المتطورة ـــ OECD، المرتبة الأولى فيها تقريباً في مدى انتشار الفقر. وذلك لأن معدل المعاشات فيها أقل بـ 50% وحتى أكثر من ذلك من معدلها في الدول الأكثر تطوراً. بينما معدل أسعار المنتوجات والخدمات هناك أقل من مثيلاتها في البلاد بـ 50% وأكثر. لذلك يعيش 30% من سكان إسرائيل على حافة خط الفقر. ويهدد الفقر39% من العائلات فيها (23% في OECD، في امريكا 21%، في بريطانيا وألمانيا وإيرلندا 15- 16%)، و 29% من الأطفال فيها (OECD ــ 13%، وفي الدنمارك وفنلندا 5%). حتى المكسيك وتركيا، الدولتان الأفقر بين دول OECD، لا تصل نسبة الأطفال الفقراء فيهما إلى ما هي عليه في إسرائيل.
إزاء المعطيات والأرقام التي أوردناها في هذا المقال، تلك الإيجابية عن معافاة الاقتصاد في "الماكرو" والسلبية عن مرضه في "الميكرو"، تبطل حتى قيمة انخفاض نسبة البطالة في البلاد. وتصبح أشبه بالقول أن العملية نجحت لكن المريض مات. ثم النسبة العامة للبطالة خادعة أيضاً. وخصوصاً أن إسرائيل أصبحت إسرائيلين: مركز وأطراف، فالقلة هي التي تتمتع بخيرات الاقتصاد النامي أما الاغلبية فتلهث راكضة منهكة وراء القرش والعمل. تصل نسبة البطالة إلى 10- 15% وأكثر في أطراف البلاد وبين الفئات المهمشة، لدرجة أن 47% من مجمل العاطلين عن العمل هم من هناك. والعديد من العاملين في البلاد أصبحوا فقراء محتاجين وأشبه بالعاطلين عن العمل. اما أصحاب الدخل المتوسط فأصبحوا أقرب إلى الشرائح الدنيا من قربهم للشرائح العليا، حتى عندما يكون معدل الدخل الشهري لعائلاتهم 15 ألف شاقل. السؤال ماذا يتبقى من هذا الدخل لطعامك وشرابك وثيابك وأثاث بيتك، بعد أن تدفع منه بالمعدل 20% على قرض شراء المسكن أو استئجاره، و20% على المواصلات والإتصالات، و 15% على التعليم والثقافة والترفيه، و20% على المياه والكهرباء والضريبة للسلطة المحلية على المسكن والصرف الصحي، و10% إلى 20% لحضانة الأطفال. وإذا كان عدد أفراد عائلتك خمسة أنفار وما فوق فلا بد إلا أن تعيش ليس فقط في تقتير، وإنما في عجز دائم رغم شد الأحزمة.
وهكذا، صحيح أن كعكة نموّ الإنتاج والأرباح في تزايد مضطرد، لكن حصة عموم الناس منها في نقص مستمر. ونعم زاد حجم الكعكة لكن زاد معه تقسيمها اللاعادل والهوة السحيقة في فروق الدخل. التايكون الإسرائيلي يصرف 7 مليون شيكل على حفل عرس لإبنه، بينما تعيش غالبية الـ 7 مليون إنسان في قلق دائم إذا ما كان معاشهم سيكفي المعيشة الشهرية.
إزاء هذا الواقع، يتساءل ويتناقش محللون وكتبة إسرائيليون في وسائل الإعلام: هل الرأسمالية الإسرائيلية هي الخنزيرية أم السلطة الحكومية؟ جوابنا: الاثنتان معاً، وكل منهما لوحدها. هذه رأسمالية إحتكارية خنزيرية، وتلك حكومة أخنزر إذ رعت وغذت ونمت هكذا رأسمالية بسياستها، وبتقليص صرفها على الخدمات وبعدم مراقبتها للأسعار، وبقضمها الجرذاني لدولة الرفاه.
تريد دفن القضية، أقم لها لجنة...
اضطرت حكومة نتنياهو، أمام تصاعد وجماهيرية الحراك الاجتماعي، إلى تشكيل لجنة برئاسة البروفيسور مانويل طرختنبرغ لدراسة الأمر وتقديم توصيات. قدمت اللجنة توصياتها بتاريخ 25 أيلول، و"أقرتها" الحكومة بتاريخ 9 تشرين الأول. والصحيح أنها لم تقرها، إذ نصّ قرار الحكومة على تبني (وليس إقرار) التوصيات الأساسية فيها (لا كلها)، وعلى توكيل رئيس الحكومة ووزير المالية بجلب توصيات تفصيلية لجلسات قادمة تكون الحكومة مخولة بإقرارها. لكن يبقى الجديد الإيجابي في توصيات لجنة طرختنبرغ، وهو قليل، يخص الإكثار من الحديث عن العدالة الاجتماعية، وضرورة تغيير السياسة الضريبة، والصرف أكثر على الخدمات الاجتماعية، والطلب بتخفيض ميزانية وزارة الأمن بـ 30 مليار شيكل، وزيادة الصرف على التعليم. وهذه عملياً توصيات تتعارض كلياً مع معتقدات نتنياهو وسياسته الاقتصادية.
لكن، أولاً، هذه توصيات التزمت باطار الميزانية القائمة. الأمر الذي يعني نقل النقود من جيب إلى جيب آخر. إنها "لعبة الصفر"، أو تبديل الجاربين القذرين للرجلين، واحداً بالآخر. أو استبدال فردتي الحذاء الضيقتين: اليمنى باليسرى، بدلاً من شراء جديدتين واسعتين. هكذا يعدون بحل الضائقة. مع أن حلها يتطلب رفع سقف الميزانية وإعداد ميزانية جديدة واجتماعية على أسس جديدة. ثانياً، صحيح أنه حسب الخطة الحكومية كان من المفروض تخفيض الضرائب على الشركات وأصحاب الدخل العالي وعلى عموم الناس. وكانت اللجنة "عادلة" حين رفعت الضرائب على ذوي الدخل العالي ، بدلاً من أن تخفضها (كما تنص الخطة الحكومية). لكنها رفعتها بنسب ضئيلة جداً(1-3%)، وألغت تخفيضها على الفئات الوسطى والدنيا. ثالثاً، لم تقدم اللجنة أية توصية جدية ومطمئنة بخصوص الخدمات الصحية والدعم والرفاه الاجتماعيين، ورفع أجور الفئات الدنيا، وإلغاء التشغيل عن طريق "مقاولي العمال"، بكل ما يرافق هذا من مسّ صارخ بأجرتهم وبحقوقهم الاجتماعية النقابية.حتى قضية الغلاء الفاحش لدور السكن، شراءً أو إستئجاراً، مسحتها اللجنة بتوصيات فضفاضة لا تؤمّن توفير المسكن ولا سعراً مخفضاً لشرائه أو استئجاره.
أصلاً عندما توصي اللجنة وتقر الحكومة أن جلّ المبلغ الذي ستوفره من اقتطاع ميزانية الأمن ومن زيادة الضرائب سيجري توجيهه إلى التعليم... يعني هذا انها تبقى على قروش لعشرات القضايا الاجتماعية الحارقة الأخرى، الأمر الذي يعني عدم حلّها وتفاقمها أيضاً.
والأنكى من كل هذا ان التوصيات كلها بحاجة إلى إقرار الحكومة ليس إقراراً عاماً فقط وإنما لكل بند أساسي فيها، مع حقها التام طبعاً باجراء تعديلات في التوصيات. ومن ثم يجب إقرارها في الكنيست. وهذا غير مضمون إن لم يرافقه إبتزازت معينة وتغييرات جذرية من قبل شتى كتل الائتلاف. بعد هذا يجب سن قوانين وإجراءات لتنفيذ شتى التوصيات، وهي قوانين تطبخها لجان الكنيست المختصة ويقرها البرلمان في قراءات ثلاث. فماذا سيتبقى من التوصيات بعد أن تمر كل طريق آلام المخاض الطويل هذا؟ ولنفرض أنها ستمرّه بسلام... يبقى عندها أن تنفيذ التوصيات يمتد على خمس سنوات. وفي هذه الأثناء تتغير إئتلافات ووزارات ويجري إقرار ميزانيات جديدة، وتجري انتخابات وتسقط حكومات وتقوم أخرى...الخ. وكل حكومة جديدة وكل إئتلافات جديدة مع كل إقرار لميزانية جديدة يحق لها، قانونياً، أن تقرر ما تشاء بخصوص الميزانية الجديدة والتوصيات القديمة.
لذلك ما من ضمان أبداً لتنفيذ حتى هذه التوصيات التي لا تغني ولا تسمن، والتي لم تجرؤ أصلاً على المس بالاحتكارات والتايكونات والاوليغارخيا وسائر القطط، بل الأبقار السمان. ولو كانت الحكومة جادة في تجاوبها مع حركة الاحتجاج لما شكلت لجنة لذلك، إذ أنها هي والكنيست هما الجسمان المخولان بوضع وإقرار السياسة الاقتصادية وإدخال تعديلات على الميزانية.
بدلاً من أن تتخذ الحكومة والكنيست قرارات تلبي مطالب حركة الاحتجاج، قامت بتشكيل لجنة. واللجنة لا تملك أية سلطة تشريعية أو تنفيذية، وآياديها مكبلة أصلاً بكتاب تفويضها وتحديد مهامها وبمحظوراتها ــ (مثلاً حظر اختراق سقف الميزانية) ــ وبكم من الموظفين الحكوميين الكبار فيها. وكأن الحكومة تقول للمحتجين المتظاهرين: اصمتوا وعودوا لبيوتكم، صحيح أن قضيتكم هامة وعادلة، لكنها قيد المعالجة وشكلنا لجنة لهذا. هكذا أصبحت اللجنة إفرازاً للسياسة نفسها التي أوصلت إلى تشكيلها، ولا تهدف لإصلاحها وتبديلها جوهرياً. إنها أشبه بحصان طرواده، أو مكمن أو إسفين، يراد به شق الحراك واضعافه ومن ثم الانتصار عليه.
وما من حاجة لإقامة هكذا لجنة إلا رغبة نتنياهو وحكومته بالالتفاف على الحراك الاجتماعي الجماهيري والتسويف حتى تفتر الهبة. هذه هي خدعة نتنياهو الكبرى. "ودفاعاً" عنه نقول: هذا هو تراث حكومات إسرائيل المتتالية في التعامل مع اللجان العديدة التي شكلتها، وفي مدح توصياتها وعدم تنفيذها. وهو تراث مطروق وأصبح رتيباً ومبتذلاً من كثرة اللجوء إليه واستعماله في إسرائيل. لدرجة أنه انتشر في البلاد القول: "إذا أردت أن تقبر قضية ما، شكل لها لجنة ".
ذريعة وخدعة الأمن المزدوجة...
لنتناول، مثلاً، التوصية بخصوص ميزانية الأمن. تصل تكلفة تنفيذ توصيات لجنة طرختنبرغ إلى 60 مليار دولار، يجب توفيرها على مدى 5 سنوات قادمة لتغطية تكلفة تنفيذ التوصيات الاجتماعية. توصي اللجنة بتوفير نصف هذا المبلغ (30 مليار) من تقليص ميزانية الأمن، والنصف الآخر من دخل الضرائب التي أضيفت. وبغض النظر عن رفض وزارة الأمن لهذا التقليص، وبطلان ادعائها بأنه سيمس بمستوى تسليح الجيش واستعداده، يراهن كاتب هذه السطور أن التقليص لن يتم حتى لو قاموا بتقليص بضع مليارات في السنة الأولى القادمة (التقليص مقسم على 5 سنوات).
إذ منذ اليوم، وسيزداد غداً، علا الزعيق في إسرائيل بأن الوضع الجديد في الشرق الأوسط (ما يجري في الدول العربية وعلى الصعيد الفلسطيني وفي تركيا وإيران....الخ) لا يسمح بالتقليص. وأي وضع أمني جديد قد يطرأ، وسيطرأ، سيفرض زيادة ميزانية الأمن لا تقليصها. ثم، لاحظوا أن كل المتشاطرين اليوم على ميزانية الأمن التي أقروها في الأمس، يملؤون أفواههم بالمياه ويصمتون بخصوص ميزانية الاستيطان، هذا البرميل بلا قاع. لأن المس بالإستيطان كفيل بانهيار إئتلاف هذه الحكومة ومن ثم سقوطها. أما بالنسبة لميزانية الأمن فتعلن اليوم تقليصها وغداً ترفعها..."الأسباب أمنية طارئة".
وها أنا أجرؤ على قول أمر لم يعتد قوله الباحثون العرب في هذه البلاد والعالم العربي. ليست ميزانية الأمن هي الأساس لداء الاقتصاد الإسرائيلي وللأزمة الاجتماعية القائمة. وليست هي التي أخرجت مئات الألوف إلى ساحات الحراك الاحتجاجي. تبلغ ميزانية الأمن اليوم في إسرائيل 54,2 مليار شيكل (بدون المنح الأمريكية)، وتشكل بهذا 7,1% من قيمة الإنتاج الوطني الإجمالي في إسرائيل (ميزانية الصحة أو التعليم...أعلى منها). وكانت نسبتها 7,7% خلال سنوات 2005-2008، علماً بأن نسبتها تراوحت خلال سبعينات القرن الماضي بين 20-30%. أي أن نسبة ميزانية الأمن تقلصت بالمقارنة مع السبعينات بـ 13-23%، بينما الضائقة الاجتماعية والغلاء المستشري والفروقات الهائلة في الدخل... إزدادت بعشرات النسب المئوية.
لا أقول إن تقليص ميزانية الأمن غير مطلوب. ولا أقول إن كل التقليص فيها لا يخدم الرفاه الاجتماعي للمواطنين. ولا أقول إنها لا تتحمل أي قسط من مسببات الأزمة الاجتماعية. وإنما أقول إن الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة لا تعود في الأساس لميزانية الأمن وإنما للرأسمالية الخنزيرية المنفلتة وللحكومة الأخنزر التي قضت عملياً على دولة الرفاه والتكافل الاجتماعي وأحكمت سيطرة الطغمة المالية الاقتصادية على رقاب الناس. وأضيف أنه لن يجري تقليص ميزانية الأمن جدياً إلا بتغيير إتجاه السياسة الصهيونية السائدة باتجاه السلام العادل. ولذلك كل توصيات لجنة طرختنبرغ تقف على رجلين واهيتين لدجاجة مريضة، أو على كفي عفريت. وما الوعد بتقليص ميزانية الأمن (على مدى 5 سنوات ؟!) إلا دليل على أن الأمن في إسرائيل أصبح خدعة للأمر ولنقيضه، وعلكة يلوكها ويبصقها الحكام ووزرائهم كيفما شاؤوا. في مساء الأمس كانت ميزانية الأمن الذريعة ــ الخدعة ــ لتبرير التقليص في الخدمات الاجتماعية. صباح اليوم أصبح تقليصها هو الحل لضمان العدالة الاجتماعية. وفي الحالتين بقي المواطن الإسرائيلي ضحية المس بأمنه الاجتماعي المنشود. وبقي الأمن العسكري، في الحالتيين، هو العذر والذريعة والحجة واثبات الوجود لمجرم يدعي أنه لم يكن متواجداً في مكان وقوع الجريمة. مع أنه هو وحكومته، بسياستها الاقتصادية والاجتماعية، صنع جريمة تحكم التايكونات والطغمة المالية بلقمة عيش المواطنين والمجتمع عموماً.
المطلوب ــ الأمن الاجتماعي
تعتز لجنة طرختنبرغ، ومعها نتنياهو وغالبية وزراء حكومته، بأن التوصيات لم تتعدَ إطار وسقف الميزانية وبأنها أوصت بمجانية التعليم من سن ثلاث سنوات للأولاد، وبإطالة يوم التعليم إلى ساعات ما بعد الظهر في الصفوف الدنيا. وذلك لإتاحة فرصة العمل للأبوين ولتقليص الصرف الهائل للعائلات على أولادهم في مرحلة الحضانة. ويعتزون أيضاً بالتوصية لتخفيض الجمارك والضرائب على القطع الكهربائية البيتية المستوردة.
لكن كل "فطاحل" الاقتصاد هؤلاء يخفون حقيقة أنه لا يمكن تغيير سلم الأولويات باتجاه العدالة الاجتماعية إلا إذا ما جرى اختراق سقف الميزانية وإعادة بنائها من جديد كميزانية اجتماعية، بالاضافة إلى رفع الضرائب بشكل جدي (لا بقروش) على الطغمة الإنتاجية والمالية الاحتكارية، وبتخفيض جدي للأسعار. وإلا سيكون الوضع أشبه بتخصيص كغم من المربى لدهن مليون رغيف من الخبز. فقط السيد المسيح، وعن طريق عجيبة سماوية، استطاع إطعام الآف الناس من خمس سمكات، وتبقى منها 11 قفة.
أما حكومة إسرائيل فلا تجيد من العجائب والغرائب إلا "عجيبة" إخفاء حقيقة أن القرار بخصوص مجانية الرعاية والتعليم للأطفال، واليوم الدراسي الطويل، قد جرى اتخاذه قبل عشر سنوات ولم يُنفذ، إذ جرى اتخاذ قرار تأجيل تنفيذه سنه بعد أخرى. ثم حركة الاحتجاج طالبت بدعم/ أو مجانية التعليم من عمر 3 أشهر وليس 3 سنوات، بسبب الغلاء الفاحش للحضانات والذي يلتهم معاش الأم أو يجعلها لا تعمل.
كذلك هو الأمر بخصوص الجمارك والضرائب. المطلوب ليس تخفيضها على المعدات الكهربائية أولاً، وإنما على السلع والمنتوجات والمأكولات الأولية واليومية من أغذية وملابس، والتي تتراوح نسبة الجمارك والضرائب عليها (والمستهلك هو الذي يدفع الثمن) بين 100% إلى 200% وأكثر (مثلاً 100% على منتوجات الألبان، 212% على مسحوق الحليب، 190% على اللحوم، 230% على البطاطا و170% على الخيار، وأكثر من 100% على المنسوجات والثياب والأثاث والوقود والسيارات وقطعها...). وذلك بحجة غير صادقة كلياً ومبالغ بها وهي الدفاع عن الصناعة والزراعة المحلية، بينما المقصود الدفاع عن أرباح أصحاب احتكارها أولا. لقد سارعت مختلف الشركات الاحتكارية إلى تخفيض أسعارها بنسبة 20% حال اندلاع حركة الاحتجاج الاجتماعي وتهديدها بمقاطعة بعض السلع. يكفي أن تهدد الحكومة بفتح سوق الإستيراد وتخفيض الجمارك والضرائب، حتى تضطر تلك الاحتكارات المحلية إلى قصقصة الشحم من أرباحها الزائدة. لكن مع أن واجب حكومة إسرائيل، كأي حكومة، هو الدفاع أولاً عن المواطنين المستهلكين، تقرر أن تكون الحارس الأمين لمصالح التايكونات والاليغارخيا.
هكذا هو الأمر بخصوص الادعاء الكاذب بأن توصياتها ستؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار المنتوجات وتكاليف الخدمات. فمن يريد تخفيض غلاء المعيشة حقا يقرر تخفيض الجمارك والضرائب على السلع الحيوية واليومية، ويفتح السوق للتنافس وللاستيراد، ويرفع المعاشات المنخفضة، ويوسع الخدمات الاجتماعية ويخفض تكاليفها، عدا عن تخفيض أسعار الماء والكهرباء والمواصلات والاتصالات. لكن لا لجنة طرختنبرغ أوصت بهذا بشكل جدّي وجذري وواسع، ولا الحكومة أقرّته. وإنما واصلت خداع ملايين المواطنين بوعود أشبه بفتات بقايا المائدة. حتى ضريبة الشراء غير المباشرة بنسبة 16% ــ ضريبة القيمة المضافة ــ المفروضة على كل المنتوجات والخدمات في إسرائيل، جرى رفض مطلب تخفيضها على السلع الحيوية الأولية التي يعتاش عليها الناس يومياً. وكذلك الأمر بخصوص رفع أجور ذوي الدخل المنخفض، وزيادة مخصصات الدعم الاجتماعي للفئات الضعيفة.
لذلك كله، ولما ذكرناه سابقاً بخصوص توصيات طرختنبرغ ــ نتنياهو، كان لا بد أن يرفضها قادة الحراك الاجتماعي وعموم الناس. إذ أنها أشبه بورقة توت صغيرة لتغطية عورات كبيرة وكثيرة للمبنى الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. أو أشبه بذلك الطفل الذي حاول باصبع صغير وحيد إغلاق الخروق في السد لايقاف الفيضان المتدفق والهدام، علماً بأن السد مهلهل من كثرة الخروق فيه. والمطلوب ليس الحفاظ على السد الاقتصادي- السياسي القائم، وإنما هدمه وإعادة بنائه على أسس جديدة، بالإضافة إلى بناء سد الأمن الاجتماعي.
الشعب يريد "العدالة الاجتماعية " و "تغيير سلم الأولويات" و "دولة الرفاه" و"الأمن الاجتماعي أولاً" و"العدل لا الصدقة" ــ هذه هي المطالب المركزية للحراك الاجتماعي في إسرائيل منذ أواسط شهر تموز. فهل يرتقي ويقود قادة الحراك الآن، بعد التفاف لجنة طرختنبرغ والحكومة التي عيّنتها على فحوى وجوهر مطالبهم، نحو أفق سياسي جديد يطيح بهكذا حكومة وهكذا سياسة؟
هذا بعض ما سنتطرق إليه في المقال القادم.