فِصْحِيّات نَيِّرَة (1) - الإيمان - جاسر الياس داود
الإيمان نهجٌ يتَّبعه الإنسان ليتقرَّب بواسطته من خالقه وليعمل بحسب تعاليمه، فَمَن اقتنع بشيء ما يُؤمن به، فكم بالحريّ عندما نقتنع بأنّ خالقنا قد سخّر كلّ شيء لعبيده المؤمنين، كي ينعموا فيها في حياتهم الأرضيّة الزائلة، ولتكن هذه الحياة محطّة مهمّة في حياة الإنسان للإنتقال بواسطتها الى الحياة الأبديّة التي لا نهاية لها، وهي بعكس الحياة الدنيويّة التي يتحدّد فيها حياة كل مخلوق على وجه البسيطة من نبات وحيوان وبني البشر!!
إنَّ ضعف إيمان أمنّا الأولى حوّاء وإغرائها لبعلها (زوجها) آدم، الذي كان إيمانه أيضاً ضعيفاً، حرم العباد من التمتّع بما وهبهم الله عزّ وجلّ من خيراته التي لا تُحصى ولا تُعَدّ، فجعل حياتهم مليئة بالآمال والتأملات والرغبات التي لا تتحقّق إلّا بالكدّ والنشاط والتّعب.
إنّ الله عزّ وجلّ كان وسيبقى الى جانب مخلوقاته في السرّاء والضرّاء، لا يتركهم لوحدهم في طلعات ونزلات هذه الحياة الأرضيّة الزائلة، فأرشدهم بواسطة تعاليم رسله وأنبيائه التي وهبها لهم الى طريق الحقّ والصواب، لهذا خاطبَ سيّدنا يسوع المسيح مؤمنيه بقوله:" مَن آمنَ بي وتبعَني فلَهُ الحياة الأبديّة ". كما ونتذكّر الرجل الغنيّ الذي صادف سيّدنا يسوع المسيح :" وفيما هو خارج الى الطّريق ركض واحد وجثا له وسأله أيّها المعلّم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة... أنتَ تعرف الوصايا... فأجاب وقال له يا معلّم هذه كلّها حفظتها منذ حداثتي. فنظر اليه يسوع وأحبّهُ وقال له يُعْوِزُكَ شيء واحد. إذهب بِعْ كلّ ما لَكَ وأعطِ الفقراء فيكون لكَ كنز في السماء وتعالَ اتبعني حاملاً الصليب. فاغتَمَّ على القول ومضى حزيناً لأنّه كان ذا أموالٍ كثيرةٍ. فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما أعسَرَ دخول ذوي الأموال إالى ملكوت الله. فتحيَّرَ التلاميذ من كلامه. فأجاب يسوع أيضاً وقال لهم يا بُنَيَّ ما أعْسَرَ دخول المتَّكلين على الأموال الى ملكوت الله". ( إنجيل مرقس،الأصحاح العاشر،الأعداد 17-24). لم يكُن هدف سيّدنا يسوع المسيح من هذا القول أن لا يعمل الإنسان ويكد ّ ويتعب، بل بالعكس، كان سيّدنا يسوع المسيح يشجّع الجميع على العمل الصالح من خلال إيمانهم الصادق بما يقومون به من عمل، وكان يعدهم برضى الله عليهم في الحياة الدنيويّة والأبديّة. هذه القصة قصيرة لكنّها تعلّمنا الكثير، منها أن لا نصبح عبيداً لِما كلّ ما يسمع له رنَّة ويلمع صفرة. لهذا قال سيّدنا يسوع المسيح التطويبات، ومنها:" طوبى للودعاء. لأنّهم يَرِثونَ الأرض. طوبى للجياع والعِطاشِ الى البرّ. لأنّهم يُشبَعون. طوبى للمطرودين من أجل البرِّ. لأنّ لهم ملكوت السموات". ( إنجيل متّى، الأصحاح االخامس،الأعداد 5-10). إذاً الإيمان الصادق بتعاليم سيّدنا يسوع المسيح، والعمل بحسبها والتعامل بها مع أنفسنا أوّلاً ومع الآخرين من بعدها، لهي طريق الإيمان التي نبحث عنها في حياتنا الأرضيّة الفانية، وهي المعبر الذي من خلاله نفوز بملكوت السموات. إنّ الإيمان الصادق والصدوق يُنَقِّي القلوب ويُقرّبها من بعضها البعض، وهكذا يشعر الإنسان بلذّة الحياة المستمرّة من الأرض الى السماء.
عبلين 1/3/2012م