من دكتاتوريات الى ماذا؟ بقلم: بطرس منصور
مع بزوغ الربيع العربي تنهار الأنظمة العربية البائدة الواحدة تلو الأخرى وعلى رأسها رموزها من ملوك ورؤساء وكافة الألقاب التي أطلقها هؤلاء على أنفسهم.
وحيث أنها مسيرة انهيار أنظمة تتصف بالبطش والقمع فمن هنا فهي تتم للأسف بعد عنف مضاد من الشعوب المقهورة التي شبت عن الطوق وانتفضت في سبيل التحرر.
وصل القادة العرب بنفسهم للسلطة بالقوة أو استلموها من والد أو جد أخذها عنوة. ولقد استمر هؤلاء بنهج العنف فتفننوا لسنين طويلة في القتل والاضطهاد والكبت والكل في سبيل التحكم والتسلط على الشعوب العربية وعلى ثرواتها وحتى على روحها ونفسها. ولقد جمعت الشعوب المقهورة خلال السنين كراهية وحقد تجاه حاكميها بسبب هذا العنف. لقد أرغم هؤلاء الحكام رعاياهم ليكونوا أداة تبجيل وخنوع لكبريائهم فطأطأ المساكين رؤوسهم وقبلوا كل ما فرض عليهم بعكس إرادتهم وغريزتهم الطبيعية التي خلقهم الله بها في الحرية والخيار والإبداع والرفض.
لم يعد بالإمكان حصر الطاقة البشرية التوّاقة للحرية، وهكذا ابتدأت الأنظمة تسقط بعد "أيام غضب". بطبيعة الحال أشتمل الغضب اشكالاً مختلفة من العنف وقتلت الأنظمة حشوداً اضافية من المواطنين المتمردين- مما زاد الطين بلّة.
نظراً لسلطتهم المطلقة والاستبداد والتحكم بالسلطة كوّن أغلب القادة عقلية جنون العظمة. فمن يسمع التبجيل والمديح ليل نهار سيكوّن شخصية مريضة تظن انها مركز الكون والكل يدور حوله.
لكن انتفاض الشعب ضد الحكام يشكل صدمة صعبة للغاية وترفض النفسية المريضة قبول واقع المعارضة لها فيرفض الرضوخ وتكون النتيجة تقوقع الحاكم وتشبثه بمركزه حتى النهاية المحتومة. وهذا يزيد العنف والعنف المضاد . لقد كانت نهايات القادة الذين سقطوا حتى الآن سيئة للغاية: زين العابدين فرّ من تونس للسعودية، مبارك فرّ لشرم الشيخ فأعادوه للقاهرة للمحاكمة وعلي عبد الله صالح أصيب من جراء قنبلة ألقيت على المسجد الذي صلى به ولم يسلّم السلطة بعد للمتمردين.
أما العقيد معمر ألقذافي فقد كانت نهايته أصعب إذ قُتل بيد المعارضين حتى بعد أن اعتقلوه. لقد كان مصيره النهائي مشابهاً لدكتاتور مجرم آخر قتله الأمريكان هو صدام حسين.
بعد فرح الشعب المتمرد بخلع الرئيس والنظام تُواجه الدولة بأسئلة في غاية الصعوبة من حيث نقل السلطة، المشاكل الاقتصادية، النهج الجديد للدولة ومحاولات توحيد الصفوف حول دستور واحد وغيرها.
بعد سنين من قهر وكبت ودكتاتورية وأسابيع أو أشهر من اقتتال لتغيير السلطة من الضروري انتهاج طرق سلمية ونبذ العنف الذي تسلط عل الأجواء لوقت طويل.
بانعدام هدف للغضب بعد خلع الرئيس تصّب فئات عديدة غضبها وتفّغ طاقتها وتوقها للعنف في مجموعات أضعف في البلاد مثلما حدث مع الأقباط في مصر مثلاً.
لقد عانت الشعوب من عنف فكيف تنتهج توجهاً آخر؟ كيف لفاقد الشئ أن يعطيه؟
كيف يتعلم المواطنون في ليلة وضُحاها ان الأساس السلمي هو الأفضل في بناء الدولة المتألمة والمجروحة؟
ان تذويت ذلك بين ابناء الشعب هو عملية معقّدة تحتاج لتكاتف المدارس،الجهاز القضائي، الحكام الجدد وحتى رؤساء الجيش؟
كيف تنجح الدول المنتفضة في بناء مجتمعات سليمة تأخذ التعامل السلمي والديمقراطية الحقيقية أساساً لها في الوقت الذي لم تمارسه في كل تاريخها؟