داعش؛ الثورة المسخ
تضج وسائل الإعلام العالمية والمحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بأخبار وتحليلات و"شتائم "وشعارات معارضة وأحياناً مؤيدة، وتفيض المحادثات الاجتماعية بين الناس حول كلمة واحدة، سلبت الاهتمام وأدهشت العامة والسياسيين والمثقفيين والإعلاميين، لا لجمالها ولا بديعها وإنما لفرط الذعر والرعب التي تنضح به في الفترة الأخيرة، نعم هي بحد ذاتها! داعش! بكل سهام الدماء والمؤامرات وقطع الرؤوس والفزع التي تصيب أفئدتنا وبصيرتنا حين سماع الكلمة.
فتسوق معظم وسائل الإعلام المحلية والعالمية إلى وعي الناس فكرة داعش "الإرهابية" جزازة الرقاب، وسفّاكة دماء العرب والمسلمين وغير المسلمين، فيتم العمل بشكل مبرمج بين كافة وسائل الإعلام والسياسيين والثقافويين، بوعي أو بغير وعي، على تصوير وتصنيف داعش في المرتبة الأولى على سلم "الإرهاب".
لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار ما تقوم به داعش من جرائم بحق البشر والحجر، ذلك أن أدبياتها تقوم على أسس إقصائية متطرّفة دامية، لكن ما لا يطرق بابه بشكل موضوعي، وتسدل الستائر عليه، هو طبيعة هؤلاء "الدواعش"؟ ودوافع تطرّفهم الحقيقية؟ والمسؤول عن وجودهم؟ وآلية إنهاء ظاهرة التطرف منطقياً؟ ومنابع الأعمال "الإرهابية"؟
تذرع التحليلات والتفسيرات عقولنا جيئةً وذهاباً بما يتعلق بالأسئلة المطروحة في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والبرامج الحوارية والتحليلية وخطابات السياسيين، لكن ما ينقص هو الإجابات والتحليلات الموضوعية العلمية الحيادية، إذا أن معظم التفسيرات والخطابات المتعلقة بالموضوع إجمالاً أيديولوجية ذاتية بعيدة عن الدقة وتنطلق من اتجاهات مولّفة مسبقاً ضمن الخريطة الأيديولوجية الموسوم بها كل شخص.
ما لا توافيه وسائل الإعلام والسياسيين والثقافويين حقه، وقد تنتحي اتجاه تحوير واقعه وحقيقته أو تشويهه، هو أن هؤلاء "الدواعش" هم، في المقام الأول، في معظمهم، شباب ينخرهم الفقر والبطالة وظروف المعيشة السيئة، ومستويات المعيشة المتدنية، إضافةً للقمع وإرهاب الدولة والأنظمة المنظم للجماهير والشعوب، ناهيك عن تأثرهم بالأفكار المتطرفة وهو أولاً وأخيراً تتحمل مسؤوليته الأنظمة كونها تملك كافة السلطات المخولة بإدارة المجتمع وتنظيم شؤونه لذلك يكمن الحل في يد هذه الدول والأنظمة للتخلص من ظاهرة "الإرهاب"، إضافةً إلى اغتراب الجموع في المجتمع الحديث واستلاب إنسانيتهم وتداعياته السلبية على النفوس والدفع باتجاه التطرف، ولا يجب أن نغفل دور الإمبريالية ودورها الريادي في تمييع المجتمعات العربية وتعميق الطائفية في أوردتها بإنتهاز فرصة فسيفسائية مجتمعاتها، كما أن تدخل القوى الإقليمية والدولية في دعم جماعات معينة في دول عديدة في المنطقة وتوفير كل أسباب النمو لها وفقدان السيادة في هذه الدول عزز من اتجاه الاحتراب والاقتتال بين الجماعات المختلفة.
وتدعّم هذه الحقيقة إحصائيات مقاتلي داعش والتي يشكل أبناء البلاد المجتاحة مثل سوريا والعراق معظمها، ناهيك عن حقيقة مفادها أن معظم مقاتلي داعش ذوي الجنسيات الأجنبية (أي ليس سورية ولا عراقية)، والذين يقدر عددهم بـ16000 ألف مقاتل، هم من الدول العربية الأخرى ودول مثل باكستان و الشيشان، أي أنها في مجملها دول ديكتاتورية فقيرة ومرتبتها بين الأمم في قاع القاع لذا ترى في الفكر الإسلاموي المتطرف غايتها ومقصدها وأملها في كسب الحياتين. فعند التقاء الظروف المادية السيئة والفلسفة المتطرفة تحدث العجائب، ومن يتحمل مسؤولية ما يحدث هو الأنظمة العربية أولاً وأخيراً، فهي من أنشأت الظرفين المادي والفكري المتطرفين، وهيأت التربة الخصبة لنمو الأعمال الوحشية انعكاساً لوحشية الأنظمة. وما زاد الطين بلّة هو قمع وإقصاء الأحزاب الحداثوية والبديل اليساري وهو ما أفضى إلى غياب القيادة التقدمية لتقود الحراكات الشعبية المشروعة باتجاه ثوري شعبي، فقنتج ما نتج من ارتداد رجعي.
فالحل لذلك لا يكون بالحلول الأمنية والقمع والإرهاب المتبادل التي يكون ضحيتها الفقراء والمساكين وتزيد بؤس الناس لا سيّما وأن هذا النهج هو من دفع إلى التطرف في رد فعل الجماهير، حيث أن العمل والفكر المتطرف لم ينموا طبيعياً بين ظهرانيها. الحل يكون فقط بحل مشاكل الشعوب من فقر وبطالة وتخلف وتهميش، وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية وجز الفساد وكف رجال الأمن عن الناس وتوفير فرص عمل والاستجابة لكافة مطالب الشعوب بلا أدنى تردد لإضافةً إلى تحقيق الاستقلال الوطني وسد منافذ التدخل الخارجي ومحاربة الفكر المتطرف بفكر تنويري. فداعش هي ثورةٌ مسخٌ!