سالم جبران، ذلك البنّاء - نص الكلمة التي القاها المحامي الكاتب جواد بولس، في حفل تأبين الشاعر الراحل سالم جبران
4.00 - (1 تقييمات)
نشرت
جواد بولس
شكرًا لمن شرَّفَني لأحظى بهذه الوقفة، فأنا لم أعرف سالمًا كما اشتهيت، ويا ليتني فعلت! وأنا لم أكن صديق سالم كما تمنّيت، فيا ليتني كنت، لكنّني عشته معلّمًا وهاديًا وشربته، منذ صباي، دمعًا وماءً وراح، فرواني من عطش وحماني من سراب.
أيّها الحفل الكريم،
سالم جبران، ذلك البنّاء/المؤسس، استشعر ورفاقه الرزية وتيقّن من مؤامرة فاستحاط من خيبة وكبوة، فبدلًا من التحاقهم برفوف الطير المهاجرة على وهم عودة! التصقوا بعشّهم، بالتراب، صرخوا، قاتلوا ونبّهوا، أن ابقوا هنا، فهناك، حتمًا، سيبقى هناك ولا هنا إلّا هنا. هكذا بحزم واعظ وإصرار حكيم آثروا البقاء في رحم وطن على خفة وعد ووهم بحمل!
ما فعله سالم ورهطه لامس المعجزة، فلولاهم لم يحتفِ الحقل بالسنابل.
كان الباقون هنا في تيه، "مستضبعين" من جرجرة ذيول هزيمة ومن جداول دم إخوتهم، سالت من جبال القدس، حيث كان الدير، مرّة، لياسين وأصبح حائطًا للشواء ولتباريح العذاب!
من وسط غبار كثيف كثيف، لملم سالم ورفاقه أنفاسهم وعقدوا الرايات على غرة صبح وريح، جابوا البلاد، عبّدوا طرقاتها بعرق الجبين وتبر التضحية، فحوّلوا الهباء إلى وطن.
كم مرة تساءلت حتى الوجع والضياع، لو لم يقم سالم ورهطه بما قاموا، لو رافقوا ربعهم الذي "شمّل" وحلّقوا معهم على جناح من شمع، أكنّا اليوم نعانق الشمس، أصحابَ أرض وقضية؟!
ماذا لو لم يكن سالم عاصفة وغيمًا وراحًا، أكنّا اليوم نسكر في حضن قصيدة وننام على حد سيف وأغنية؟!
أيّها الحفل،
يكفي ما قلته لكم، فبكل زيادة تكرار وملل، لكنّني إيّاك يا سالم أخاطب، لك أيها العزيز سأقول: كم نحن .. كم نحن.. من أين لي الكلام! فمنك المعذرة يا سالم، ألم يكن أجدر بجميعنا، أن نزجي لك هذا الوفاء والعرفان وأنت على ظهر حصانك؟! ألم يكن أنفع لنا وللأرض، للغيم وللسماء أن ترحل وأنت على حين صهوة وصليل كلمة، "ندلقها" عاشقين على راحة مسافر..!
أعذرني أيّها العاشق المسافر، أعذرنا أيّها المعلم، أيّها الخسارة!!