سفاهة مهينة لاتصدق.. أنا لست آراميًا - عطاالله منصور
لا أذكر بانني سمعت أبي يصف نفسه وأمثاله من الفلاحين سكان القرى في الجليل الأعلى بأنهم عرب. لقدكانت صفة "العرب" تقتصر على البدو. لكنني وأمثالي من الأولاد لم نستغرب الانتماء الى العرب وقبل انتهاء دراستنا في المدرسة الابتدائية كنا نفخر لكوننا ننتمي الى قبائل عربية أنجبت الفرسان من أمثال عنترة، ومثال الكريم المعطاء حاتم الطائي وشعراء عظماء كتبوا المعلقات، أدباء وكتاب وعلماء - رغم كوننا تعلمنا حسب برامج التعليم التي وضعتها سلطات الانتداب الاستعماري البريطاني.
وأكاد أجزم بأن التمسك بالعرب والعروبة وجد قبولاً لدى المسيحيين أكثر مما وجده لدى جيرانهم من المسلمين خصوصًا حين تعلمنا عن عصر النهضة الوطنية الحديثة والدور الرائد للمثقفين المسيحين في انعاش الآداب العربية المعاصرة، ومساهمتهم في تأسيس الصحافة العربية، وانشاء دور العلم لتخريج القيادات الضرورية لقيادة الشعب العربي نحو المستقبل المرجو. أذكر أننا، تلاميذ المدرسة الحكومية للبنين في القرية المأهولة بعائلات مسيحية تقارب، عدديًا، جيرانهم المسلمين، كنا نفصل بحسب انتماء أهلنا طائفيًا- لدراسة موضوع " الدين" ولان التلاميذ المسيحيين انتسبوا الى طائفتي الموارنة والروم الكاثوليك كان على المعلم أن يعلمنا ترديد بعض الجمل اليونانية للاخيرين وبعض الكلمات السريانية للأولين. لماذا ؟ لان كنائسنا كانت في يوم ما تصلي بلغة أخرى. لماذا؟ لأن بعض علماء الدين المسلمين في عصور قديمة اعتبروا أن اللغة العربية مقدسة ويحظر على غير المسلمين استعمالها - وأذكر جيدًا بأن غالبية الكتب التي استعملت في الكنيسة المارونية كانت بالكرشوني (والكرشوني ليست لغة بل مجرد حروف كان القاريء يحتاج التعرف عليها فيكتشف بأنه يقرأ نصوصًا عربية فصحى،لا غبار عليها) حيث كانت الكنائس تستعمل هذه الأحرف لكي تحتال على حرمانهم من استعمال اللغة التي يستعملها أتباع كنيستهم. وما زلتُ حتى اليوم أعرف بعض الصلوات باللغة اليونانية والسريانية. ولكنني أشعر بأن مجرد التلميح الى أنني "آرامي" هو مجرد سفاهة مهينة!
لا اقول هذا لانني اعرف عرف اليقين بأن جذوري تعود الى الأنباط، او قبائل غسان التي وصلت دمشق في القرن الأول أو أمراء لخم وجذام وقضاعة في فلسطين وشرق الاردن والاوزاع في بعلبك وبني تيم في البقاع- وكافة هذه القبائل من أبناء القبائل العربية التي عرفت وتبعت المسيحية- قبل الإسلام. أم أن أجدادي كانوا ينتمون الى يهود عاشوا في الجليل يوم جاء المسيح وقبلوه وانضموا الى كنيسة مسيحية وحافظوا على هذا الايمان حتى اليوم. كما يحتمل بأن جذوري تعود الى قبائل الكنعانيين الذين حاربهم اليهود واحتلوا بلادهم - كما جاء في التوراة، أو أن أجدادي ينحدرون من الفينيقين او الأشورين، أو اليونان أو الرومان، أو الفرس أو من خليط وتزاوج بين كافة هؤلاء وشعوب أخرى احتلت هذه البلاد - ولا أرى في هذا او ذاك ما يعيبني أو يشرفني، فالعار يأتي من سقوط نقع فيه والشرف هو ما نتعب لتحصيله - ولا تقل أصلي وفصلي أبدًا انما أصل الفتى ما قد حصل ولكنني لست آراميًا! حتى لو اكتشف العلماء في المستقبل ما يمكّنهم من التعرف على جذور الناس وانتماءاتهم القبلية- لأن التاريخ يؤكد لنا بأن القبائل الآرامية التي انتشرت في شرق - شمال سوريا وشمال العراق وقد زارت بلادنا قبل ما يزيد عن الفي عام وقد انقطعت علاقاتنا بهم. وفي هذه الاثناء ولد لنا قادة وعلماء وعظماء يحق لنا أن نفاخر بهم وأن نطرب لغنائهم ونردد قصائدهم ولا يعقل بأن نُطَلِّق السيّدة فيروز، العظيم وديع الصافي والمرنمة ماجدة الرومي، وأن نضم الى صدورنا هواءً ساخنًا يصدر عن سماسرة يحاولون التجارة بدماء أولادنا! ورغم أنني لا أتفق عادةً مع مواقف رؤساء الكنائس لكنني اقتبس هذه المرّة من ردهم على قرار وزير الداخلية: ان كانوا يدعون بأنهم يقصدون مصلحة المسيحيين بقرار تمكينهم من الانفصال عن العرب، ولو ارادوا لنا الخير لأعادوا مثلاً أهالي برعم واقرث الى بيوتهم وأراضيهم التي طردوا منها بالغش والنصب في رابعة النهار!