من كفر قاسم الى سخنين: الارض تحولت الى عقارات - عطاالله منصور
"الحكم العسكري" والظلم والاضطهاد كانت اكثر الكلمات ترديدا في خطابنا السياسي منذ قيام دولة اسرائيل حتى 1966. وبعد الغاء نظام تراخيص السفر والتنقل، احتلت كلمة "مصادرة" هذا المنصب وتربعت على صدر خطابنا السياسي. لكن مصادرة الاراضي لم تبدأ في 1966 بل كانت هناك، مثل نظام "الحكم العسكري"، وبقيت بنود اساليب السم الذي رضعناه من اكواعنا من حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ 1948، وما زلنا نخضع لبعض وجوه هذه المعاملة العدائية.
ولكنني أحمد الخالق الذي اطال عمري حتى يوم سمعت فيه حديث "العقارات" الذي احتل مكان "الارض" في مؤتمر لقيادات عربية. لا أتهم اصحاب المبادرة لمؤتمر العقارات بأنهم نسوا او تناسوا مصادرة الاراضي، بل انني اشد على اياديهم وابارك مبادرتهم في جمع من يتعاملون بما يتسنى لنا استغلاله من اراضي بلادنا لأنشاء الابنية السكنية لاحفادنا او المشاغل لاستيعابهم في العمل وفتح الابواب امام مبادراتهم لينتقلوا اليها بدل الوقوف امام الابواب المغلقة، وأول من أود شكرهم هو الدكتور باسل غطاس، صاحب مجلة الاقتصاد "مالكم" (وابن استاذي الرائع الاستاذ غطاس غطاس).
ضيوف المؤتمر كانوا رتل كبير من المهتمين بالموضوع والعاملين في ما تيسر منه، واول من سمعتهم من المحاضرين كان الدكتور يوسف حبارين المحاضر في التخنيون، وجاءت كلمته حول المناطق الصناعية المتوفرة في الوسط العربي ومفتاح النمو الضائع. وجاءت الكلمة قصيرة بفعل احكام ظالمة "لضيق الوقت" ولم تتجاوز التلميح الى امكانيات لم تستغل على مدخل ام الفحم وعلى جبل القفزه في الناصرة وعلى طريق شارع رقم (6) على اطراف الطيبة والطيرة.
ولكن الدكتور جبارين لم يهمل الظلم اللاحق ب-90 الف بدوي في النقب ما يزالوا يعيشون في 45 قرية تنكر عليها حقها في العيش في واحة الديموقراطية - الصهيونية !!
ويقول لنا د. جبارين ان حكومة نتنياهو تدعم ميزانية نتسيرت عيليت بنسبة تصل الى 13 مرة اكثر من مدينة الناصرة.
ولكن الناصرة كما تعلمنا من المحاضرين في مؤتمر العقارات تحتل مكانة خاصة في تقدمها ونجاحها في اجتذاب الدعم لمشاريع الاسكان، منذ حي اسكان العمال منذ 1958 واحياء شنلر والورود في العقد الاخير، وحتى حي الجليل الجديد وبناء الفنادق من جراند نيو في 1960 وحتى جولدن كراون البلد، ونصف دزينة من الفنادق هنا وهناك، وترميم الاحياء القديمة والتاريخية (مثل السوق والمدينة القديمة).
ولكن اكثر ما اثلج صدري من معلومات سمعته لاول مرة من وفد كفر قاسم لهذا المؤتمر. رئيس بلدية كفر قاسم، هذه البلدة التي تحتل في تاريخنا موقع الهيكل المقدس الذي شهد سفك الدماء الطاهرة لمجرد كونهم مثلنا من ابناء هذه الارض وهذا العقار. ما قيل لنا عن كفر قاسم ان هناك مجموعة من المبادرين الذين جمعوا اصحاب 600 دونم من الاراضي الخاصة وغير المستغلة وأقنعوهم بأن التعاون فيما بينهم يجمع ارضهم لتدر حليبا ولبنا، دون ان يخسروا ملكيتها. الارض الموحدة مع نشاط القادة العقلاء تحولت الى شركة مساهمة في مشروع عصري قدم لمئات الشباب من ابناء وبنات البلدة فرص العمل في "منتصف البلاد" - و"منتصف البلاد" هي حديقة صناعية تستوعب عدد من المنشأت الصناعية والتجارية لشركات مختلفة تدر مبالغا محترمة لاصحاب الاراضي و-20 مليون شيكل كضريبة ارنونا لصندوق بلدية كفر قاسم (التي لم تبلغ ميزانيتها اكثر من 50 مليون شيكل)!
ولكنني سمعت قبل اختتام المؤئمر من السيدة سليمة مصطفى من سلطة تطوير الاقتصاد العربي في مكتب رئيس الحكومة قصة حزينه. سخنين، سفيرتنا الى عالم الرياضة، هي احدى المدن والبلدات العربية ال-13 التي تم اختيارها لبرنامج تطوير المجتمع العربي الذي يعاني من ازمة اسكان، لأننا نحتاج سنويا الى 10,000 دار سكن للازواج الشابة وهناك 4000 من الازواج الشابة التي لا يتاح لها امكانية الأيواء في دار لها. ومن هنا قامت هذه السلطة بتخصيص اراضي لأسكان الأزواج الشابة في سخنين في عمارات - كما هو الحال في المدن - وتقول سليمة ان دائرة اراضي اسرائيل منحت سخنين التخفيضات كما تفعل مع اليهود في مدن الاعمار، ولكن شباب سخنين رفضوا الانتقال للسكن في عمارات كما رفض المقاولون العرب في التقدم للمناقصة وبناء الحي السكني المقترح