بن لادن وامريكا - معارك الهية ام امتحان للحقيقة
تهاتفت الجموع من شتى انحاء العالم مهلله بالفرحة العارمة مع وصول نبأ مقتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن. نبأ استحوذ جميع وسائل الاعلام واغاظ الكثير من رواد المؤامرات الدولية ملاحقين الأخبار لاكتشاف ان كان هذا النبأ اكذوبة جديدة من أكاذيب والاعيب "الاخ الكبير". ومع مرور الاسبوع الأول من وصول النبأ بدأت الاعلانات الرسمية والاحتفالات تعم القسم الأكبر من العالم، وبدأت نظرات وصرخات الغضب والنقمة تتعالى من أتباع مذهب بن لادن منددين بالجريمة النكراء ومهددين بالنقمة الالهية.
بن لادن، هذا الرجل "السوبرمان" الذي تتكلم عنه الصحف ومحطات التلفزة العالمية، قاهر أمريكا والغرب اصبح بين أسنان القرش ونكات اليوتيوب والفيسبوك والتويتر وحديث كل الناس. هذا الرجل الذي لم ترد أمريكا ذكر اسمه بتاتا، تروّج له اليوم لتنال المزيد من صرخات الهتاف والمزيد من اصوات التشجيع لحكومة اوباما والحروب "الالهية" التي شنها سابقه.
على نقيض ما يدعيه أتباع بوش واوباما فالحرب ليست بين "اله بوش" و "اله بن لادن" او بين "المسيحية" و "الاسلام". قد يمثل بن لادن فئة معينة وشريحة كبرى من اتباع الدين الأسلامي لكنه بالطبع لا يمثل المسلمين أجمع - وان استخدم في تهديده أيات قرآنية لدعم مبادئه ضد "الكفار" الأجانب. كذلك ايضا بوش واوباما ليس لهم اي علاقة بالدين المسيحي - بالرغم من ادعائهم لذلك وحضورهم كنائس - فالايمان المسيحي المعلن في الكتاب المقدس الذين يدعون انهم يتبعوه بعيد سفر سنوات ضوئية عن نهج حياتهم وألاعيبهم.
بعد نهاية الدراما الفاشلة - هل انتهت؟ - في الحرب على الارهاب لا بد من ان نراجع بعض الاسئلة التي فاتتنا في هذه السنين نتيجة البعد الزمني عن ترابط احداث المسلسل الكئيب.
عودة الى ذريعة بن لادن الأولى. هل قرر بن لادن شن الهجومات المزعومة على الغرب لانه رأى فسق وفساد المجتمع الغربي وبعده عن الدين الإسلامي وكفره الشديد؟ هل كانت ذريعته إلهية؟ هل كان بن لادن الشديد الثراء في هذه الصحوة الإلهية التي تقوده ليعلن الحرب على الكفار؟ لماذا نستبعد ان يكون بن لادن قد تأثر بمعرفته أن الغرب قام بابتزاز الشرق عامة والعالم العربي خاصة بنهب جميع ما يملكه من ثروات طبيعية وعلمية؟ هل من السهل استيعاب ان يكون العالم العربي أغنى الدول ثروة طبيعية وأفقرها مالا وأكثرها ديونا وأقلها تأثيرا؟ هل من الصعب تجنيد مئات المأسورين في قلوبهم في ظلمات الاستبداد والتعسف في حكومات عربية تحكمها عروش أجنبية؟
صحوة بن لادن المزعومة لم تكن حبا الهيا كما زعم اتباعه واعداؤه انما هي صرخة كل عربي مأسور في سلاسل الظلمة والتعسف في الحكومات التي تسودها جيوب الكبار. صرخة بدل من ان تتوجه الى الشخص القادر ان يحرر الأمم برحمته وحنيته توجهت الى المكان الخاطئ. حلول أرضية تعلمها بن لادن من أعدائه. استخدام الارهاب والسلاح حجة الهية معتقدا ان الغلبة تأتي بالترهيب واللهيب. فهل "رضي الله عنه" في ما فعل او ما ابتغى؟ ها يرضى الله الصالح والمحب بأن نكره الأخرين ونقتل الأبرياء وان نستخدم السلاح ونحث على كراهية الآخر؟ هل لنا ان ننسب ما اراد ان يفعله بن لادن الى الصوت الألهي؟
والغرب المأسور في ظلمة المال والسلطة لم يزد فضلا عن بن لادن. فهو الآخر سعى وراء المزيد من المال والمزيد من السلطة مستخدما السلطة الألهية لنهب العالم مستذرعا بتهديدات بن لادن ومستخدما اياه طعما صالحا لصيد قروش الحروب الأفغانية والعراقية مناديا بالعدالة الالهية والديموقراطية، عدالة لم يعرفها اله اي دين وديموقراطية باطلة يسودها دكتاتورية الغاز الطبيعي والنفط والمال. فمن يسعى لخراب شعوب وامم وأعمى اعينه المال، هل يصعب عليه ان يغرق اكثر من ثلاثة الاف نفس في غبار عمارتي التوأم في حديد ذاب وتغير شكله من شدة حرارة المتفجرات المزروعة في المبنى؟ ام يصعب عليه ان يرسل صاروخا الى مبنى البنتاغون مدعيا انه ضربته طائرة لم يوجد لها اي بقايا في المبنى؟
بالطبع السيناريوهات الأجنبية لا تورد اي من هذه الامكانيات لكنها بالطبع تذيع فيلم هيوليوودي فظيع فيه لابس الجلباب المتنازل عن عرش المال الشيخ الذي يعيش في المغر اسامة بن لادن يخطط لعملية ارهابية تفوق كل الحواجز الأمنية الامريكية وكل أجهزة المخابرات العظمى في العالم ويزيل واحد من معالم امريكا وفخر تجارتها ومن ثم يتسبب في اكبر حروب العصر الجديد واغراق كل العالم في أزمة ارهابية وتوتر اقتصادي مخيف. لا بد ان نعترف ان هذا الفيلم يحوي سيناريو خيالي وغير واقعي بالمرة ولربما "زودها" المؤلف ويجب ايقافه عند حده.
وعندما يبدأ الناس يملون من مشاهدة الفيلم واحداثه المأساوية يوما فيوما ويبدأون بترك المسرح لا بد ان يقوم اوباما بتحويل الأنظار وانهاء الفيلم التعيس وفتح المجال لابداعية العهد القادم من أجيال الممثلين في شركة انتاج القاعدة والشركة العالمية لإدارة العالم في خلق السيناريو المقبل. تأتي نهاية هذا الفيلم في وسط اعلان واشنطن ان الولايات المتحدة وصلت الى حد الديون المسموحة وهي تقارب 14 ترليون دولار. الشيء الذي لا يستقبله اي عقل والشيء الذي قد يطيح اوباما في فيلم نهاية ثورة وحرب اهلية تترأسا الطبقة العاملة والمديونة في الولايات المتحدة في وجه خسارتهم لكيانهم الحاكم للعالم وفي وجه الدمار الذي سيلحق بهم جراء الاجراءات التي ستتخذها الدولة لاسترجاع ديونها.
هل مات بن لادن حقا؟ هل انتهى هذا الفيلم في هذا الاسبوع؟ هل كان بن لادن ميت قبلا ووجب استخدام ورقة البوكر الرابحة لابعاد الأنظار عن النهايات الفظيعة التي تسير بها الولايات المتحدة ولارجاع القليل مما تبقى من ثقة الناس بالحكومة ولكي يهتف الشعب ان اوباما اعلن نجاحا بالرغم من الموت الاقتصادي الأمريكي؟
الحقيقة اننا لن نعرف حقيقة كل الأمور. بالذات في وجه الاستبداد والاستعباد الاعلامي الذي نراه كل يوم من أكاذيب والاعيب وتزوير حقائق في وسائل الاعلام لتغيير مجرى الأمور في الحياة والعالم الاقتصادي للكفة التي تدفع أكثر. لكننا نستطيع ان نرى ما خلفته الحرب بين بن لادن وبين الغرب ممثلة بأمريكا، بعيدا عن الحرب الألهية. عدوان من أعداء الانسانية والذات الالهية يتقاتلان بالحجة الالهية والدعوة الانسانية.
افغانستان تصرخ وتبكي من اجل اولادها ونسائها ورجالها. هي في حالة فوضى عارمة مع عمالة امريكية في وسط الشعب، واصبحت اليوم في حكم انتداب أمريكي يسرق ما تبقى من ثروات طبيعية خلفها الله لمؤازنة شعوب المنطقة. بلد يتقاتل على سيادته أظلم واحلك أنظمة القمع. والشعب الهالك يصرع تحت عربات الموتى الداهرة لجيوب الكبار. والعراق منكوب في مليون فئة وطائفة وفوضى ساقطة وفاحشة تحت حماية ديموكراسية السلطان. أمريكا لم تغلب كذلك، بل سقطت لعبة للكبار تحركها خيوط الديون والأسلحة، والشعب الأمريكي المسكين يدفع ثمن الحروب وثمن ألاف المؤسسات الوهمية المكلفة بمكافحة الأرهاب ويقع تحت حكم التنصت وفقدان الخصوصية، يقف عاريا خجلا مفضوحا امام كل من له كرسي في برلمان مسرح الارهاب. كل هذا لن يؤدي الى اي سلام بين الأمم بل الى المزيد من اليأس والاحباط والكراهية والفحاشة والسموم هروبا من واقع مسرح الجرائم في تاريخ امريكا الحديث. والعالم يتفرج ويختار احد العدوين ليدعمه ويزيد من كراهيته ويختار ان يتعلق بكرسي حديث من كراسي الاعدام، ان كان بثورة او نهضة او هرطقة او دين او اعلان او اله جديد او اي شيء قد يحاول فرض سيادة تغيير جديدة - حتى لو كانت الى ظلمة احلك وأسر أعسر بحجة التغيير والنتديد.
لعل العالم يتعلم مرة واحدة من التاريخ. لعل العالم يتعلم من احدى الشخصيات العظيمة التي قسمت التاريخ وغيرت وجه المعمورة. كان السيد المسيح يعيش تحت حكم الرومان وبدلا من محاربتهم ومقاومتهم في ظلمهم وسفكهم للدماء البريئة رفع دائما انظاره الى العلاء معلما الكلمات الالهية التي تصعق كل انسان: "أحبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم وصلوا لاجل الذين يسئون اليكم ويضطهدونكم". وفي وسط عملية صلب التي حرض لها اليهود انذاك ونفذها الرومان كان ما زال يصلي "يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ما يفعلون". ياه. كم بعيد بن لادن وبوش واوباما وغيرهم من حكام العالم عن هذا التعليم. فعلا معركة بن لادن وأمريكا فضحت الطابق لترينا امتحان الحقيقة ونعرف انفسنا وغيرنا في موقفهم الفعلي من الذات الالهية.
من هذا الشخص العجيب الذي يستطيع ان يقول هذه الكلمات في هذه الظروف الصعبة؟ كيف نتعرف على هذا الشخص الذي يستطيع ان يجيزنا وسط كل ما خربه الذي نادوا بالحروب والشر والضغينة؟ كيف لنا ان نتغير لنصبح مشابهين للمسيح بكلامه وافعاله؟ ألا ليت كلنا مسلمين ومسيحيين وآخرين نسأل عن المسيح ونعرف السر في حياته الذي جعله في هذا الحب العظيم.