نتنياهو بدمشق متخفيًا بعقالٍ سعوديّ
أدافع عن سوريّة لأني أحب سوريّة وشعبها، ولا أريد أن أرى عراقاً آخر تُقطّع أوصاله ويُقتّل فيه الناس كل يوم بالجملة في الشوارع وفي الجوامع وفي الكنائس، أدافع عن سوريّة لأني لا أريد أنْ أرى دبابات أمريكيّة أو فرنسيّة في شوارع الشام تترجل منها الصحافيات الإسرائيليات ليقمن بكل حريةٍ وتشفٍ بتغطية مشاهد سقوط تماثيل الأسد التي يُراد أن تحل محلها تماثيل القردة
فلنبدأ هذا المقال بسؤالين: الأوّل، منذ اندلاع أعمال الاحتجاج في سوريّة ضدّ نظام الرئيس، الدكتور بشّار الأسد، هل سمعتم عن سفير سوريّ أوْ ملحق عسكريّ أوْ دبلوماسيّ من الدرجة الرابعة يُقدّم استقالته على الهواء مباشرة أوْ من تحت هواء جزيرة حمد بن جاسم آل ثاني، كما عوّدتنا الفضائيّة خلال ثورة حلف شمال الأطلسيّ في ليبيا، عندما تابعنا الاستقالات بالجملة وبالمفرّق؟ الثاني، هل لاحظتم أنّ الفضائيّة القطريّة، التي تزعم أنّها تُمثّل الرأي والرأي الأخر، توقفت بدون سابق إنذار عن استجواب شهود العيان خلال البرامج الإخباريّة، هؤلاء شهود الزور، الذين كانوا يطلون علينا في كل نشرة أخبار وفي كل موجز وفي كل تغطية مباشرة، ويشتمون النظام ويُحاولون شيطنته، اختفوا عن الأنظار؟ لماذا لا تسأل الصحافة العربيّة والصحافة المستعربة والإعلام الغربيّ المتنوّر والحياديّ عن هذه التطورات والمستجدات، التي تقطع الشك باليقين بأنّ وراء الأكمة ما وراءها، وبأنّ المؤامرة على سوريّة باتت أكثر من مفضوحة.
***
وإلى التفاصيل: بعد أنْ شكلّت زمرة المتواطئين السوريين، الذين أكلوا من خيرات البلد الكثير، ما أطلقوا عليه المجلس الوطنيّ السوريّ، في اسطنبول، تعبيرًا منهم عن شكرهم وامتنانهم لموقف تركيّا المعادي للنظام السوريّ، أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها، وأصر رئيسهم المؤقت د. برهان غليون، على إقحام جامعة الأنظمة العربيّة في حلّ الأزمة السوريّة، مشددًا في الوقت نفسه على رفضه ومجلسة التدّخل الأجنبيّ. وفعلاً تمكن أعضاء المجلس، الموالي للغرب، من استئصال ورم السُبات الخبيث الذي ألّم بالجامعة، واتفق العرب على عقد الاجتماعات، وكان لافتًا منذ البداية أنّ جمهورية قطر العظمى تلعب دورًا مهمًا ومركزيًا في الجلسات الماراثونيّة، مجندّة جزيرتها الفضائيّة للتحريض على البلد العربيّ "الشقيق"، سوريّة، وأيضًا للتهليل والتبجيل لحكّام العرب، الذين استأسدوا على سوريّة، وكأنّ أنظمتهم المعفنّة تُعاني من فائض من الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة، متناسين عن سبق الإصرار والترصد أعمال القمع الوحشيّة التي تُمارسها أجهزة المخابرات في مملكة البحرين، وهدم المساجد التابعة للشيعة، واحتلال المملكة من قبل درع الجزيرة السعوديّ، وهو فرقة تابعة للمارينز (المشاة) الأمريكيّ.
***
وكان للدكتور غليون وزمرته ما أرادوا: الجامعة العربيّة أرسلت بعثة تقصّي الحقائق إلى سوريّة للاطلاع على الأحوال هناك ورفع التقرير لجامعة الأنظمة العربيّة، لم يكن مستغربًا أنْ يتهم التقرير الأوليّ لبعثة المراقبين العرب السلطات السوريّة بمواصلة أعمال القتل والاستمرار في اعتماد الحلول الأمنيّة الدمويّة على أمل السيطرة على الأوضاع، وإنهاء الاحتجاجات الشعبيّة المطالبة بالتغيير الديمقراطيّ، ولكن كان لافتًا أنّ هذا التقرير تضمن للمرة الأولى بندًا يُطالب بوقف أعمال العنف من الجانبين، فيما يُشّكل اعترافًا واضحًا وصريحًا بوجود جماعات تقوم بأعمال عسكريّة ضدّ النظام وقواته الأمنيّة والعسكريّة. لا يوجد لدينا أدنى شك بأنّ إدانة العنف المُستخدَم من قبل الطرفين تشكل انتصارًا ولو صغيرًا بالنسبة للنظام الذي ظلّ يُردد طوال الأشهر الماضية مقولة تؤكد وجود جماعات مسلحة تندس بين المتظاهرين وتطلق النار على قوات الأمن، ولعل هذا الانتصار، أفقد عصابة غليون أعصابها وأخرجها عن أطوارها، الأمر الذي دفعها لتكثيف انتقاداتها ضدّ الجامعة العربية وفريق المراقبين المنبثق عنها واتهام الطرفين بالعمل لإطالة عمر النظام، وإعطائه غطاءً عربيًا لمواصلة أعمال القتل، على حد تعبيرهم. فعلاً، إنّه لأمر مُحيّر، طلبتم الجامعة، فحصلتم عليها، ولكن بما أنّ التقرير لا يتماشى مع أهواء أسيادكم، فقد سارعتم إلى تخوينه.
***
ولكنّ هذا المجلس الوطنيّ أصيب على ما يبدو بمسٍ من الجنون، وهو الذي عوّل على تقرير المراقبين ليكون ذريعة لرفع سقف المطالب والتوجه لمجلس الأمن الدوليّ، على غرار السيناريو الليبيّ، ذلك أنّ الاعتراف من قبل وفد المراقبين بوجود جماعات مسلحة بقي انتصارًا صغيرًا فعلاً مقارنة بالإنجاز الأكبر الذي صبّ في خدمة النظام السوريّ وآلته الإعلاميّة، ألا وهو اتهام الفضائيات العربيّة بالمبالغة في تغطية أحداث القتل والعنف في سوريّة، من حيث تضخيم الوقائع وأحجام الاحتجاجات الشعبيّة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان روايات شهود العيان التي تعرضت كثيرًا للتشكيك بها من المراقبين المحايدين، ومن بعض وسائط الإعلام السوريّة.
***
وللحقيقة يجب أنْ نقول وبالصوت العالي: الفضائيات، أوْ معظمها على وجه التحديد، لم تتعاط بحريةٍ ومهنيةٍ وموضوعيةٍ مع الشأنين الليبيّ والسوريّ، مثلما تعاطت مع الثورتين في كلٍ من مصر وتونس، الأمر الذي الحق بها ضررًا كبيرًا في نظر العديد من المشاهدين، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى الطبقات المثقفة والمتعلمة، ويبحثون عن تغطية تغلب عليها الموضوعية واحترام عقل المشاهد، وعندما طرحنا هذا الموضوع سابقًا وقلنا بالعربيّة والعبريّة إنّ فضائيّة الجزيرة تُمرر أجندة أمريكيّة-صهيونيّة، تعرضنا لوابل من الانتقادات التي أشرف عليها وأنتجها وأخرجها إلى الحيّز الفضائيّ، مجموعة من المنتفعين والأعشاب الضالّة التي تعيش على فُتات بعض الأحزاب، وبطبيعة الحال أعضاء جوقة المزايدة والمهاترة، الذين يتربصون كخفافيش الليل في الظلام الحالك لتقسيم المُقسّم وتجزئة المجزأ وتدوير المُربّع وتربيع الدائرة وتأزيم الأزمة، وحتى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن هذا لن ينفع، فقد تبيّن لكل من في رأسه عينان بأنّ فضائيّات عربيّة تعمل بوتيرةٍ خبيثةٍ على دفع سوريّة إلى الحرب الأهليّة، التي طالما حذّرنا، وما زلنا نُحذّر منها.
***
وعودٌ على بدء: في خطوةٍ غريبةٍ بعض الشيء، تدل على أنّ فضائية الجزيرة تستخف بعقل المشاهد العربيّ، أطّل علينا وزير الخارجيّة ورئيس الوزراء القطريّ، بن جاسم، قبل يومٍ واحدٍ من نشر بعثة المراقبين تقريرها، وبدأ يبحث عن الأعذار والتبريرات لفشل البعثة في تقصي الحقائق، زاعما بصلفٍ ووقاحةٍ أنّ أفراد البعثة ليسوا مدربين على هذه الأمور، وأنّ إمكانيات العرب في هذا السياق ضئيلة للغاية، وهي حُجج لا تنطلي حتى على الأطفال الذين يتعلمون في الصفوف الأولى من المدارس الابتدائيّة، واقترح هذا العبقريّ حلاً يدُل على عبقريته والقائل إنّ العرب بحاجة إلى تدريب من قبل الأمم المتحدّة، إذا كان الأمر كذلك، يا شيخ حمد، فلماذا أصّرت الجامعة على إرسال بعثة المراقبين. ومن ناحية أخرى، إذا كنت تعتقد بأنّ هذه الحجج مُقنعة فأنت على خطأ، ذلك أنّ الشعوب العربيّة عبرت حاجز الخوف، وعقبال عندك في قطر.
***
وأهّم من يظن أنّ كلّ من يدافع عن سوريّة يعشق النظام فيها ويعتبره نظامًا مثاليًا، ويؤمن بأحقيّة الدكتور بشار الأسد في أن يكون رئيسًا للبلد مدى الحياة ثم يُورّث الرئاسة لأبنه، على العكس، فقد يكون أشد المدافعين عن سوريّة اليوم يشتركون أيضاً في كونهم من أشد منتقدي النظام، إنّما ليس انطلاقًا من رغبتهم في أن يروا الدم السوريّ يسيل أنهارًا، بل من منطلق الحرص على سوريّة وشعبها ومن الإيمان بأنّ الشعب السوريّ يستحق نظام حكم يليق بمكانته الحضارية، وقد يكونون، حتى وهم غير سوريين، قد ذاقوا مرارة النظام في سوريّة.
***
*أنا أدافع عن سوريّة لأني لا أريد أن أرى مقدرات الشعب السوري تخرج من يديه وتصبح في أيدي خليط من العفنين الحاقدين على سوريّة وشرذمة من عملاء ساركوزي.
*أدافع عن سوريّة لأني أحب سوريّة، وشعب سوريّة، ولا أريد أن أرى عراقاً آخر تُقطّع أوصاله ويُقتّل فيه الناس كل يوم بالجملة في الشوارع وفي الجوامع وفي الكنائس.
*أدافع عن سوريّة لأني لا أريد أنْ أرى دبابات أمريكيّة أو فرنسيّة في شوارع الشام تترجل منها الصحافيات الإسرائيليات ليقمن بكل حريةٍ وتشفٍ بتغطية مشاهد سقوط تماثيل الأسد التي يُراد أن تحل محلها تماثيل القردة. حصل ذلك في بغداد، وحصل ذلك في طرابلس.
*أدافع عن سوريّة لأني لا أريد أن أسمع أن متطرفي اليهود جاءوا يسبحون في نهر بردى ويدّعون أنهم موعودون بذلك، كما يفعلون في نهر دجلة.
*أدافع عن سوريّة لأني أرى أنّها غرناطة العصر الحديث، آخر قلاع الوجود العربي، إن سقطت – لا سمح الله – فعلى العرب السلام.
*أختي السوريّة، أخي السوريّ، لا تسمحوا لنتنياهو بدخول دمشق متخفيًا بعقالٍ سعوديّ وبنعال قطريّ.
ملاحظة: شاهدوا هذا المقطع،. هيثم مناع: "مجلس أسطنبول هو وليمة شحادين وعش دبابير"
بقلم زهير اندراوس
http://www.youtube.com/watch?v=ac2kHjCPNCI&feature=youtu.be